فإليك بمراجعة ما تقدمها من الآيات تجد صحة ما ادعيناه وثانيا: لو فرض ان موردها ما ذكر غير أن التعبير بقوله تعالى وما كنا معذبين حاك عن كونه سنة جارية لله عز شأنه من دون فرق بين السالفة والقادمة، وان تلك الطريقة سارية في عامة الأزمان من غير فرق بين السلف والخلف، ولو لم نقل ان ذلك مفاد الآية حسب المنطوق فلا أقل يفهم العرف من الآية ولو بالغاء الخصوصية ومناسبة الحكم والموضوع ان التعذيب قبل البيان لم يقع ولن يقع ابدا منها: ان الاستدلال بها لما نحن فيه متقوم بكونها في مقام نفى الاستحقاق لا نفى الفعلية لان النزاع في البراءة انما هو في استحقاق العقاب على ارتكاب المشتبه وعدمه لا في فعلية العقاب، (وفيه) ان ذلك أول الكلام، إذ النزاع بين الأصولي و الاخباري انما هو في ثبوت المؤمن وعدمه في ارتكاب الشبهات وانه هل يلزم الاحتياط أو لا، وهذا هو مصب النزاع بين الطائفتين واما البحث عن الاستحقاق و عدمه فهو خارج عما يهم على كلا الفريقين وبالجملة: ان المرمى للقائل بالبرائة هو تجويز شرب التتن المشتبه الحكم لأجل وجود مؤمن شرعي أو عقلي حتى يطمئن انه ليس في ارتكابه محذور سواء كان ذلك لأجل رفع العقوبة الفعلية أو نفى الاستحقاق، والشاهد على ما ذكرنا انك ترى القوم يستدلون على البراءة بحديث الرفع الظاهر عندهم في رفع المؤاخذة لا نفى الاستحقاق وبما ذكرنا يظهر ان الآية أسد الأدلة التي استدل بها للبرائة، وان ما اورد عليه من الايرادات غير خال عن الضعف، نعم لا يستفاد من الآية أكثر مما يستفاد من حكم العقل الحاكم على قبح العقاب بلا بيان فلو دل الدليل على لزوم الاحتياط، أو التوقف لصار ذلك نفسه بيانا فيكون ذاك الدليل واردا على العقل وما تضمنته الآية
(٢٠٨)