وتقريبه صدق النبأ على التزكية من جهة الاخبار عن موافقة المعتقد كما بينا ولكن يخدشه أنه لا يدل إلا على قبوله في الجملة كما مرت الإشارة إليه في الشهادة إلا أن يثبت بالعموم وإخراج الشهادة بالدليل كما أشرنا سابقا وأما ما أورد عليه بأنه مؤد إلى حصول التناقص في مدلول الآية لأنه يدل على أن قبول خبر الواحد موقوف على انتفاء الفسق في نفس الامر كما مر وانتفاء الفسق في نفس الامر لا يعلم إلا مع العلم بالعدالة فشرط قبول الخبر هو العلم بالعدالة وخبر المزكي الواحد لا يفيد العلم وإن كان عدلا فإن اعتبرنا تزكية العدل الواحد فقد علمنا بالخبر مع عدم حصول العلم بعدالة الراوي لعدم إفادته العلم وهذا تناقض فلا بد من حملها على ما سوى الاخبار بالعدالة ففيه أن المراد بالفاسق النفس الأمري والعادل النفس الأمري هو ما يجوز إطلاق العادل والفاسق عليه فنفس الامر هنا مقابل مجهول الحال لا مقابل مظنون الفسق والعدالة ألا ترى أنا نكتفي في معرفة العدالة بالاختبار والاشتهار وهما لا يفيدان العلم غالبا بل العدلان أيضا لا يفيد العلم فمن ظنناه عادلا بأحد الأمور المذكورة فنقول أنه عادل ويؤيده قوله تعالى ممن ترضون وكذلك المرض المبيح للتيمم والافطار وإنبات اللحم وشد العظم وغير ذلك فإنه يطلق على ما هو مظنون أنه كذلك والكلام فيها وفي العدالة على السواء سلمنا لكن لا ريب أن مع انسداد باب العلم يكتفي بالظن في الاحكام والموضوعات جميعا مع أن اشتراط العلم بالعدالة مستفاد من المنطوق فلا مانع من تخصيصه بمفهومها حيث أفاد بعمومه قبول خبر العدل الواحد في التزكية وما قيل إن تخصيص المنطوق بالمفهوم ليس أولى من العكس بل العكس أولى فيدفعه أن المفهوم إذا كان أقوى بسبب المعاضدات الخارجة فيجوز تخصيص المنطوق به وهو معتضد بالشهرة وغيره من الأمور التي ذكرنا مع أنه مخصص بشهادة العدلين جزما وهو لا يفيد العلم وذلك أيضا يوجب وهنا في عمومه وإن كان العام المخصص حجة في الباقي على التحقيق والمشهور بين المتأخرين في الاستدلال على هذا المذهب هو أن العدالة شرط في الرواية وشرط الشئ فرعه والاحتياط في الفرع لا يزيد على الاحتياط في الأصل وقد اكتفى في الأصل وهو الرواية بواحد فيكفي الواحد في الفرع أيضا أعني العدالة وإلا زاد الاحتياط في الفرع على الأصل وأنت خبير بضعف هذا الاستدلال ويشبه أن يكون مبناه القياس كما ذكره بعض العامة وما يظهر من بعض أصحابنا أنه قياس الأولوية أيضا ممنوع بل لا يبعد دعوى أن ثبوت الحكم في الأصل أقوى منه في الفرع لان الأصل وهو الرواية معلوم أنه ليس بشهادة فلا يعتبر فيه التعدد جزما بخلاف الفرع لاحتمال كونه شهادة كما ادعاه صاحب القول الاخر وإن كان ضعيفا على ما اخترناه وهذا قياس لم يقل به العامة أيضا ما قيل في دفع
(٤٧١)