لاخراج الباقي عن العموم الذي هو مقتضي الصيغة سيما إذا كان موافقا للأصل أيضا والقياس بألفاظ العموم في غاية الغرابة فان دلالتها انما هي بالوضع لا لرفع التحكم نعم يتم هذا القياس في مثل النكرة المثبتة والجمع المنكر ونحوهما مما يرجع إلى العموم في بعض المقامات كما بيناه في محله صونا لكلام الحكيم عن اللغوية مع أنه أيضا تابع لحصول الفائدة فإذا حصل الفائدة بالافراد الشايعة أو أقل مراتب الجمع فلا ضرورة إلى الحمل على الجميع وقد يتوهم على القول بالاشتراك ان الطاهر هو العود إلى الجميع فلا يتوقف على القرينة نظرا إلى غلبة الوقوع وهو مع ما فيه من منع الغلبة غير واضح المأخذ وقد أشرنا في تحقيق معنى التبادر ان الظهور الحاصل من الغلبة لا يكفي في الترجيح في أمثال ذلك نعم ربما حصل التوقف في ترجيح المجاز الراجح المشهور على الحقيقة النادرة ولكن أغلبية استعمال بعض معاني المشترك لا يوجب ترجيح ارادته وان بادر الذهن إلى انفهامه عند الاطلاق ولم نقف على قائل به والسر في ملاحظة الغلبة في جانب المجاز وترجيحه على الحقيقة أو التوقف في ترجيحه هو احتمال حصول النقل وهجر الحقيقة هو منتف فيما نحن إذ كثرة استعمال لفظ العين مثلا في النابعة والباصرة لا يوجب ضعفا في دلالتها على الذهب وكونه من معانيها الحقيقية والاستعمال في المعنيين الأولين لم يحصل من جهة مناسبة في المعنى الثالث لهما وعلاقة كما كان ذلك في المجاز المشهور فافهم ذلك احتج الحنفية بوجوه منها ان الاستثناء خلاف الأصل لاشتماله على مخالفة الحكم الأول فالدليل يقتضي عدمه تركنا العمل به في الجملة الواحدة لدفع محذور الهذرية فيبقى الدليل في باقي الجمل سالما عن المعارض وانما خصصنا الأخيرة لكونها أقرب ولأنه لا قائل بالعود إلى غير الأخيرة خاصة واعترض عليه بأنه ان كان المراد بمخالفة الاستثناء للأصل انه موجب للتجوز في لفظ العام فهو مسلم سيما على مذهب الجمهور ولكن تعليله بمخالفة الحكم الأول فاسد إذ لا مخالفة فيه للحكم الأول على قول من الأقوال في وجوه تقرير الجملة الاستثنائية كما مر سابقا وأيضا تعليل ترك العمل في الجملة الواحدة بدفع محذور الهذرية غلط لدلالة نص الواضع ورخصته النوعية على جواز الخروج عن أصالة الحقيقة إلى المجاز عند قيام القرينة مع أن تخصيص الجملة الأخيرة مقطوع به ولا حاجة فيه إلى التمسك برفع الهذرية لأنه لو صلح بمجرده سببا للخروج عن الأصل لجاز في المنفصل في النطق عرفا أيضا وان كان المراد ان ظاهر المتكلم بالعام إرادة العموم وإرادة العموم اقرار والاستثناء مستلزم لانكار بعضه ولا يسمع الانكار بعد الاقرار فالاستثناء مخالف للأصل يعني هذه القاعدة أو ان إرادة العموم بعد ما بينا من الظهور مستصحبة والاستثناء مزيل له
(٢٩٥)