في غاية الندرة وإن كان في أول أمره والحاصل أن المجتهد إذا علم أن دليل الحكم إنما هو في جملة هذه الأدلة المتعارضة المتخالفة لا نفس كل واحد منها فلا بد من البحث عن المعارض حتى يعرف أن العمل بأيها هو الراجح في ظنه لئلا يكون مؤثرا للمرجوح ولئلا يكون تاركا للأخبار المستفيضة الواردة بالعلاج والترجيح فيما لو كان الخبران متخالفين إذ العلم بوجود الخبرين المتعارضين في جملة تلك الأخبار حاصل لنا ويجب علينا علاجه وعدم العلم بالفعل بأن هذا الخبر الذي رآه أولا هل هو من هذا الباب أم لا لا يوجب العلم بعدم ذلك لان ورود الخبرين المتعارضين صادق على ما ورد علينا في جملة الأدلة مع إمكان معرفتهما بعينهما ومما ذكرنا يظهر أنه لا يمكن التمسك بأصالة عدم المعارض في كل رواية إذ المفروض ان أحاديثنا مشتملة على الحديث الذي له معارض والحديث الذي لا معارض له وكون الأصل عدم كون الحديث الذي نراه أولا هو ما لا معارض له ليس بأولى من كونه هو الذي له معارض فيجب إجراء حكم كل من الصنفين فيه وهو لا يتم إلا بعد البحث والفحص وحاصل المقام إن حجة الله على العباد منحصر في النبي صلى الله عليه وآله والوصي عليه الصلاة والسلام وبعد العجز عن الوصول إليهما وبقاء التكليف فلا دليل على جواز الاعتماد إلا على ظن من استفرغ وسعه في تحصيل الظن من جهة الأدلة المنسوبة إليهم ولا يمكن ذلك إلا بعد الفحص عن المعارضات والاعتماد على الترجيحات وسيأتي الكلام في كفاية الظن وعدم وجوب تحصيل العلم عليه إذا تمهد هذا فنقول أن العام المتنازع فيه واحد من الأدلة واحتمال وجود المعارض أعم من المناقض الرابع لجميع حكمه أو المخصص الرافع لبعضه و لما كان الغالب في العمومات التخصيص حتى قيل ما من عام إلا وقد خص فقوى احتمال وجود المعارض هنا فصار مظنونا فصار ذلك أولى بوجوب الفحص عن المعارض عن سائر الأدلة وشبهة من لا يقول بوجوب الفحص عن المخصص في العام هو أنه لو وجب طلب المخصص في التمسك بالعام لوجب طلب المجاز في التمسك بالحقيقة إذ احتمال إرادة خلاف الظاهر ولزوم الوقوع في الخطأ بالعمل على الظاهر قائم فيهما ولا يجب ذلك في الحقيقة اتفاقا وبدلالة قضاء العرف بذلك فكذلك العام وفيه أولا أنه إن أراد أنه لا يجب التفحص عن الحقيقة أصلا بمعنى أنه إذا ورد حديث يدل على فعل شئ بعنوان الوجوب ولكن احتمل احتمالا راجحا وجود حديث آخر يدل على أن المراد بالامر في الحديث الأول لاستحباب فهو في الحقيقة احتمال المعارض فلا معنى لعدم وجوب البحث عنه فكيف يدعي عليه الاتفاق وإن أراد أنه لا يجب في الحقيقة طلب المجاز إذا لم يكن هنا ظن بوجود المعارض من الأدلة بل ولا احتمال له بمعنى أن يتفحص لاحتمال قيام قرينة حالية أو مقالية دلت على إرادة المعنى المجازي من الكلمة فهو صحيح ومسلم
(٢٧٦)