بذلك لطف في الآخرة وفي الدنيا، لانزجاره عن القبيح. ألا ترى: أن السيد قد يستصلح بعض عبيده بأوامر ينجزها (2) عليه، مع عزمه على نسخها، امتحانا له.
والانسان قد يقول لغيره: " وكلتك في بيع عبدي " مثلا، مع علمه بأنه سيعزله، إذا كان غرضه استمالة الوكيل أو امتحانه في أمر العبد.
والجواب عن الأول: ظاهر مما حققه السيد - رحمه الله -، إذ ليس نزاعنا في مطلق شرط الوقوع، وإنما هو في الشرط الذي يتوقف عليه تمكن المكلف شرعا و قدرته على امتثال الامر. وليست الإرادة منه قطعا، والملازمة إنما تتم بتقدير كونها منه. وحينئذ فتوجه المنع عليها جلي. (3) وعن الثاني: المنع من بطلان اللازم. وادعاء الضرورة فيه مكابرة وبهتان.
وقد ذكر السيد - رضي الله - في تتمة تنقيح المقام ما يتضح به سند هذا المنع، فقال: " ولهذا نذهب (4) إلى أنه لا يعلم بأنه مأمور بالفعل إلا بعد تقضي الوقت وخروجه، فيعلم أنه كان مأمورا به. وليس يجب، إذا لم يعلم قطعا أنه مأمور، أن يسقط عنه وجوب التحرز. لأنه إذا جاء وقت الفعل، وهو صحيح سليم، وهذه أمارة يغلب معها الظن ببقائه، فوجب أن يتحرز من ترك الفعل والتقصير فيه. ولا يتحرز من ذلك إلا بالشروع في الفعل والابتداء به. ولذلك مثال في العقل، وهو أن المشاهد للسبع من بعد، مع تجويزه أن يخترم السبع قبل أن يصل إليه، يلزمه التحرز منه، لما ذكرناه، ولا يجب إذا لزمه التحرز أن يكون عالما ببقاء السبع وتمكنه من الاضرار به ". (5) وهذا الكلام (6) جيد، ما عليه في توجيه المنع من مزيد. وبه يظهر الجواب عن استدلال بعضهم على حصول العلم بالتكليف قبل الفعل، بانعقاد الاجماع على وجوب الشروع فيه بنية الفرض، إذ يكفي في وجوب نية الفرض غلبة الظن