صار كونه في الدار في الثاني وقد زالت الرؤية بمنزلة كون عمرو فيها مع فقد الرؤية. وأما (1) القضاء بأن حركة الفلك وما جرى (2) مجريها لا يمنع من استمرار الاحكام، فذلك معلوم بالأدلة، وعلى من ادعى أن رؤية الماء لم يغير الحكم، الدلالة.
ثم قال: وبمثل ذلك نجيب (3) من قال: فيجب أن لا نقطع (4) بخبر من أخبرنا عن مكة وما جرى مجريها من البلدان على استمرار وجودها. وذلك أنه لابد للقطع على الاستمرار من دليل، إما عادة أو ما يقوم مقامها، ولو كان البلد الذي أخبرنا (5) عنه على ساحل البحر لجوزنا زواله لغلبة (6) البحر إلا أن يمنع من ذلك خبر متواتر.
فالدليل على ذلك كله لابد منه. (7) حجة القول الآخر وجوه:
الأول: أن المقتضي للحكم الأول ثابت، والعارض لا يصلح رافعا له، فيجب الحكم بثبوته في الثاني. أما أن مقتضى الحكم (8) الأول ثابت، فلانا نتكلم على هذا التقدير. وأما أن العارض (9) لا يصلح رافعا. فلان العارض إنما هو احتمال تجدد ما يوجب زوال الحكم. لكن احتمال ذلك يعارضه احتمال (10) عدمه، فيكون كل واحد منهما مدفوعا بمقابله، فيبقى الحكم الثابت سليما عن رافع.
الثاني: أن الثابت أولا (11) قابل للثبوت ثانيا، وإلا لا نقلب من الامكان الذاتي إلى الاستحالة. فيجب أن يكون في الزمان الثاني جائز الثبوت كما كان أولا. فلا ينعدم (12) إلا لمؤثر (13)، لاستحالة خروج الممكن من أحد طرفيه إلى الآخر لا