وان علم جميع صفاته لا يكون قايسا فعلم بذلك ان الحقيقة ما قلناه والاثبات الذي ذكرناه لامر يرجع إلى عرف الشرع عبارة عن العلم وما جرا مجراه من الاعتقاد ثم الخبر تابع لذلك وهو في أصل اللغة عبارة عن الايجاد كما يقال أثبت السهم في القرطاس أي أوجدته ثم يعبر عن الاعتقاد والظن والخبر لكن بعرف الشرع يجب أن تقصر على ما قلناه وفي الناس من قال حد القياس هو اثبات مثل حكم الأصل في الفرع بعلة جامعة بينهما وهذا أيضا نظير لما قلناه غير ان ما قلناه من العبارة أخصر لان قولنا المقيس والمقيس عليه يغنى عن ذكر علة جامعة بينهما لان لفظة المقيس يتضمن انه جمع بينهما بعلة فلا يحتاج ان يذكر في اللفظ لأنه متى لم يكن جمع بينهما بعلة لا يكون ذلك قياسا وقد أكثر الفقهاء والأصوليون في حد القياس وأحسن الالفاظ ما قلناه وللقياس شروط وهى انه لابد أن يكون الأصل الذي هو المقيس عليه وحكمه معلومين ويعلم أيضا الفرع الذي هو المقيس والشبه الذي الحق أحدهما بالاخر وان كان القياس عقليا فلابد من كون العلة في الأصل معلومة كونها علة وان كان شرعيا أجازوا الفقهاء ومن أثبت القياس أن تكون مظنونة ويخالف القياس العقلي السمعي فيما يرجع إلى احكام العلة لان العلة العقلية موجبة ومؤثرة تأثير الايجاب والسمعية عند من قال بها ليست كذلك بل هي تابعة للدواعي والمصلح المتعلقة بالاختيار ولا دخول للايجاب فيما يجري هذا المجرى وهي في القياس العقلي لا تكون الا معلومة وفي السمع لا يجب أن تكون معلومة بل يجوز أن تكون مظنونة ومتى في العقلي علق الحكم بها ولم نحتج في تعليق الحكم عليها إلى دليل مستأنف وليس كذلك علة السمع فإنها عند أكثرهم لا يكفى في تعليق الحكم بها في كل موضع ان يعلم بل يحتاج فيها إلى التعبد بالقياس وعلة السمع قد يكون أيضا مجموع أشياء وقد يحتاج إلى شروط في كونها علة وقد يكون علة في وقت دون وقت وفي عين دون أخرى والوقت واحد عند من أجاز تخصيص العلة وقد تكون العلة الواحدة علة للاحكام كثيرة وكل هذا وأشباهه يفارق فيه علة العقل لعلة الشرع واختلف الناس في القياس في الشريعة فمنهم من نفاه ومنهم من اثبته واختلف من نفاه فمنهم من أحال ورود العبادة به جملة وانكر أن يكون طريقا لمعرفة شئ من الاحكام وربما حال من حيث تعلق بالظن الذي يخطى ويصيب أو من حيث يؤدى إلى تضاد الاحكام وتناقضها ومنهم من ابطله من حيث لا سبيل إلى العلم بماله يثبت الحكم في الأصل ولا إلى غلبة الظن في ذلك لفقد دلالة وامارة تقتضيه وهذه الطريقة التي كان ينصرها شيخنا أبو عبد الله ومن الناس من أجاز التعبد به ونفاه من حيث وقعت الشريعة على وجه لا يسوغ معه القياس وهذه الطريقة محكية عن النظام وذهب بعض أصحاب الظاهر من داود وغيرهم إلى انه لا يجوز أن يقتصر الله تعالى بالمكلف
(٨٣)