الأول وقد يستعمل هذه اللفظة في أشياء فيقال في الله تعالى انه ينسخ الحكم فهو ناسخ إذا نصب الدلالة على ذلك ويقال ان النص الثاني ناسخ للأول إذا دل من حاله على ما ذكرناه وقد يقال ان الحكم الثاني ينسخ حكم الأول وهو ناسخ له من حيث علم سقوط الأول به كقولهم نسخ التوجه إلى الكعبة الاستقبال إلى بيت المقدس ومثل ما روى ان الزكاة نسخت كل واجب في المال ونسخ شهر رمضان صوم عاشور وقد يتسع أيضا فيقال ان فلانا ينسخ كذا كذا إذا اعتقد ذلك وذهب إليه كما يق الشافعي لا ينسخ القرآن بالسنة والحنفي بنسخ ذلك واما لفظ المنسوخ فإنه يستعمل في الدليل والحكم دون ما عداهما والأغلب في استعمال هذه اللفظة الدلالة والحكم دون ما عداهما وان كان لا يستعمل في الحكم الا إذا كان ثبوته يقتضى نفى الحكم الأول أو علم بالدليل ذلك من حاله فهذه الوجوه هي جملة ما يستعمل هذه العبارة فيها وحقيقتها ما ذكرناه فاما شرايط النسخ فأشياء منها ان الدليل الموصوف بأنه ناسخ وبأنه منسوخ جميعا يكونان شرعيين وانما قلنا ذلك لأنه إذا كانت الإباحة معلومة بالعقل ثم ورد الشرع بخطره لا يسمى ذلك نسخا الا ترى انه لا يقل خطر الخمر نسخ اباحته لما كانت اباحته معلومة عقلا فكذلك لا يق ان الجنون والموت والعجز نسخ واحد منها ما كان واجبا عليه لما كان زوال ذلك عن المكلف معلوم عقلا وهذا الذي ذكرناه انه يمنع من اطلاق عبارة النسخ عليه فاما معنى النسخ فحاصل فيه على كل حال الا ترى انه لا فرق في سقوط التكليف بين زوال العقل أو حصول الموت والعجز وبين ورود النهى عنه في ان في الحالين جميعا يسقط التكليف وانما يمنع ذلك من اجرى العبارة عليه على ما قلناه ومن شرط الناسخ أن يكون المراد به غير المراد بالمنسوخ لأنه لو كان مرادا به لدل على البداء ولاقتضى ذلك كون الامر أو النهى قبيحا فعلى هذا يجب أن يكون الناسخ دالا على ان ما تناوله لم يرد قط بالمنسوخ وبذلك يبطل قول من حد النسخ بأنه زوال الحكم بعد استقراره لان الحكم إذا استقر وثبت انه مراد لم يصح ان يرفع لما يؤدى إليه من الفساد الذي قلناه وبمثل ما قلناه يبطل قوله من حد ذلك بأنه رفع المأمور به بالنهي عنه لأنه لو كان كذلك لوجب كونه مرادا بالامر ومكروها بالنهي وذلك يؤدي إلى ما قدمناه من الفساد ومن شرط الناسخ أيضا أن يكون منفصلا عن المنسوخ لأنه إذا كان متصلا به لم يوصف بأنه ناسخ الا ترى انه لا يقال ان قوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن من حيث امركم الله نسخ للخطر المتقدم لما كان متصلا به ومن شرط المنسوخ ان لا يكون موقتا بوقت يقتضى ارتفاع ذلك الحكم لان ما يكون كذلك لا يوصف بأنه ناسخ ولذلك لا يق الافطار بالليل ناسخ الصوم بالنهار لكن الواجب أن ينظر في الغاية فان كانت غاية معلومة كالليل لم يوصف الحكم المتعلق بها بأنه ناسخ و ان كانت مما لا يعلم الا بنص بان يرد فتبين حاله فلولاه لوجب إدامة حكم النص الأول فإنه يوصف
(٢٦)