لا يصح خروج ذلك اجمع عن كونها لطفا فإذا لا يصح معنى النسخ فيها أصلا فاما ما يصح معنى النسخ فيه فهو كل فعل يجوز أن يتغير من حسن إلى قبح فيقع على وجه فيكون حسنا وعلى اخر فيكون قبيحا ويقع في وقت فيكون حسنا وفي اخر فيكون قبيحا ويقع من شخص فيكون حسنا ومن اخر فيكون قبيحا وذلك نحو المنافع والمضار واعتبار في ذلك بجنس الفعل بل الاعتبار في ذلك بالوجوه التي يقع عليها الفعل وعلى ذلك جميع الشرعيات لأنها قد تكون واجبة في وقت دون اخر وعلى شخص دون غيره وعلى وجه دون اخر الا ترى ان القعود في موضع مباح قد يكون حسنا ثم يعرض فيه وجه قبح بأن يخاف سبعا أو لصا أو وقوع حايط عليه وما شاكله فيصير العقود (القعود) نفسه قبيحا ولما ذكرناه اختلفت الشرايع ودخل النسخ فيها واختص بعض المكلفين بما لم يشركه فيه غيره وذلك ان الامساك في السبت كان واجبا في شرع موسى (ع) ثم صار قبيحا في شرع نبينا (ع) وغير ذلك وغير ذلك من الشرايع ويجب على الحايض ترك الصلاة والصوم ولا يجب ذلك على غيرها بل يكون ذلك قبيحا منه فعلى هذا ينبغي أن يجرى هذا الباب فاما النسخ في الاخبار فقد اختلف العلماء في ذلك فذهب أكثر من تكلم في أصول الفقه من المعتزلة وغيرهم وهو مذهب أبي على وأبي هاشم إلى النسخ في الاخبار لا يجوز وعللوا ذلك بأن قالوا تجويز ذلك في اخبار الله تعالى يوجب أن يكون أحد الخبرين كذبا وفصلوا بينه و بين الامر والنهى وذهب أبو عبد الله البصري وصاحب العمد وهو الذي اختاره سيدنا المرتضى إلى ان ذلك يجوز ولا فرق بين الخبر والامر والنهي في هذا الباب والذي ينبغي أن يحصل في هذا الباب ان الاخبار على ضربين أحدهما يتضمن معنى الامر والنهى والاخر يتضمن ذلك بل يكون خبرا محضا عن صفة الشئ في نفسه فما يكون معناه معنى الامر أو النهي فإنه يجوز دخول النسخ فيه لأنه لا فرق بين ان يقول صلوا الجمعة والجمعة وبين أن يقول صلاة الجمعة يوم الجمعة واجبة في انه يجب في الحالين الصلاة ومع ذلك يجوز معنى النسخ فيه بأن تخرج الصلاة من كونها واجبة وقد ورد القران بمثل ذلك قال الله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقال الطلاق مرتان وقال من دخله كان امنا وقال ولله على الناس حج البيت وكل ذلك خبر الا انه لما كان معناه معنى الامر جاز دخول النسخ فيه لجواز تغيره من حسن إلى قبح اما ما لا يكون معناه معنى الامر أو النهي وهو الذي يتضمن خبرا محضا عن صفة الشئ في نفسه فهو على ضربين أحدهما ان لا يجوز تغير موصوف تلك الصفة عما هي عليه فما يكون كذلك يجوز معنى النسخ في الاخبار عنه فاما الانتقال إلى ضده فلا يجوز لان ذلك جهل وذلك نحو الاخبار عن صفات الله تعالى ووحدانيته فإنه يجوز أن يتعبد تارة بالاخبار عن ذلك وتارة ينسخ عنا الاخبار عنها ولا يجوز أن يتعبد بالاخبار عن ضدها لان ذلك جهل على ما قدمناه والضرب الاخر هو ما يجوز انتقاله عن تلك الصفة
(٣١)