بيناه من ان النسخ تابع للمصلى يسقط جميع ذلك ويعارض قوله تعالى ما ننسخ من اية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها لان هذه الآية تدل على ما يأتي به أشق من الأول أو في حكم الأشق حتى يصح أن يكون خيرا منها ولم يمنع ذلك من جواز نسخ الشئ بأخف منه فكذلك القول فيما تعلقوا به من الآية واما البداء فحقيقته في اللغة هو الظهور ولذلك يقال بدا لنا سور المدينة وبدا لنا وجه الرأي وقال الله تعالى وبدا لهم سيئات ما عملوا وبدا لهم سيئات ما كسبوا ويراد بذلك كل ظهر وقد يستعمل ذلك في العلم بالشئ بعد ان لم يكن حاصلا وكذلك في الظن فاما إذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز اطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز فاما ما من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه ويكون اطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين عليهما السلام (وهما امام محمد باقر وامام جعفر الصادق (ع)) من الاخبار المتضمنة لإضافة البداء إلى الله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد أن يكن ويكون وجه اطلاق ذلك فيه تعالى والتشبيه هو انه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا لهم ويحصل لهم العلم به بعد ان لم يكن حاصلا لهم اطلق على ذلك لفظ البداء وذكر سيدنا الاجل المرتضى قدس الله روحه وجها اخر في ذلك وهو ان قال يمكن حمل ذلك على حقيقته بأن يقال بداله تعالى بمعنى انه ظهر له من الامر ما لم يكن ظاهرا له وبدا من النهى ما لم يكن ظاهرا له لان قبل وجود الامر والنهى لا يكونان ظاهرين مدركين وانما يعلم انه يأمر أو ينهى في المستقبل فاما كونه آمرا أو ناهيا فلا يصح ان يعلمه الا إذا وجد الامر والنهى وجرى ذلك مجرى أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم بان نحمله على ان المراد به حتى نعلم جهادكم موجودا موجودا لان قبل وجود الجهاد موجودا وانما نعلم كذلك بعد حصوله فكذلك القول في البداء وهذا وجه حسن جدا واما ما لا يجوز اطلاقه عليه تعالى هو أن يأمر تعالى المكلف بنفس ما نهاه عنه على الوجه الذي نهى عنه في الوقت الذي نهاه عنه وانما شرطنا هذه الوجوه كلها لان المنهى عنه لو كان غير المأمور به لم يمتنع ان تقتضي المصلحة الامر به والنهى عن مثله فكان لا مدخل له في البداء ولان النهى لم تعلق به على غير الوجه الذي تناوله الامر كان حسنا نحو ان يأمر الله بالصلاة على وجه العبادة له تعالى وينهى عنها على وجه العبادة للشيطان وانما شرطنا الوقت الواحد لان المأمور به في وقت لو نفى عنه في وقت اخر وصح وقوعه لكان ذلك حسنا في الحكمة كما يصح ان يحسن من الله فعل الجسم في بعض الأوقات وان كان لو فعله بعينه في وقت اخر وقد أفناه لم يمتنع أن يكون قبيحا وانما يقبح ذلك لا لأنه يدل على البداء لكن لأنه تكليف ما لا يطاق لان ما يصح ان نفعله في وقت لا يصح ان نفعله في وقت اخر لاختصاص مقدور القدر بالأوقات على ما دل عليه الدليل وانما جعلنا المأمور به هو المنهى لأنه لو صح كون المقدور الواحد لقادرين لم يمتنع امر أحدهما به ونهى الاخر عنه على بعد ذلك و انما قلنا ان ما اجتمع فيه هذه الشرايط لا يجوز على القديم تعالى لأنا قد بينا ان الله تعالى انما يأمر العبد
(٢٩)