شريح ومن تبعه من أصحاب الشافعي كأبي بكر الفارسي وأبي بكر القفال وغيرهما وذكر أبو العباس ان الحكم إذا علق بصفة انما يدل على ما يتناوله لفظه إذا تجرد وقد يحصل فيه قراين وأسباب يدل معها على ان ما عداه بخلافه نحو قوله ان جائكم فاسق بنبأ فتبينوا وقوله واشهدوا ذوى عدل منكم وقوله فلم يجدوا ماء فتيمموا وقوله وان كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن وقوله (ع) في سايمة الغنم زكاة قال وقد يقتضى ذلك ان حكم ما عداه مثل حكمه نحو قوله ومن منكم متعمدا وقوله ولا تقل لهما أف وقوله فلا تظلموا فيهن أنفسكم وهذا تصريح منه بان القول إذا تجرد لم يقتضى نفيا ولا اثباتا فيما عدا المذكور وان بالقراين يعلم تارة النفي ويعلم تارة الايجاب وقد أضاف ابن شريح هذا القول إلى الشافعي وتأول كلامه المقتضى بخلافه وبناه عليه وأكثر أصحاب الشافعي وجلهم وجمهورهم على المذهب الأول وهذا المذهب اعني الأخير هو الذي اختاره سيد المرتضى واليه ذهب أبو على وأبو هاشم وأكثر المتكلمين وكان شيخنا رحمه الله يذهب إلى المذهب الأول وأقوى ما نصر به مذهب من منع من ذلك ما ذكره سيدنا المرتضى في مسألة له انا أحكيها على ما وجهها قال قد ثبت ان تعليق الحكم بالاسم اللقب لا يدل على ان ما عداه بخلافه وثبت ان الصفة كالاسم في الإبانة والتميز وإذا ثبت هذان الأمران صح ما نذهب إليه والذي يدل على الامر الأول ان تعليق الحكم بالاسم لو دل على ان ما عداه بخلافه لوجب أن يكون قول القايل زيد قايم وعمرو طويل والسكر حلو مجازا معدولا به عن الحقيقة لأنه قد يشارك زيدا وعمروا في القيام والطول غيرهما ويشارك السكر في الحلاوة غيره ويجب أيضا ان لا يتمكن ان يتكلم بهذه الالفاظ على سبيل الحقيقة ومعلوم ضرورة من مذهب أهل اللغة ان هذه الالفاظ حقيقة وانها مما لا يجب ان يكون مجازا ويلزم على هذا المذهب أن يكون أكثر الكلام مجازا لان الانسان إذا أضاف إلى نفسه فعلا من قيام أو قعود أو أكل أو تصرف وما جرى مجراه ليس يضيف إليها الا ماله فيه مشارك والإضافة إليه تقتضي بظاهرها على مذهب من قال بدليل الخطاب نفى ذلك الامر عما عداه ولا يكون هذا الا ما قال (هذا خ ل) قط في موضع من المواضع الا مجازا وهذا يقتضى ان الكلام كله مجاز ويدل أيضا على ذلك ان من المعلوم انه لا يحسن ان يخبر بأنه زيد طويل الا وهو عالم بطوله لان كلامه يقتضى تعليق الطول عليه فلابد من أن يكون عالما به والا لم يأمن أن يكون كاذبا فلو كان قوله زيد طويل كما يقتضى الاخبار عن طول زيد يقتضى نفى الطول عن كل من عداه لوجب أن لا يحسن منه أن يخبر بان زيدا طويل على الحقيقة الا بعد أن يكون عالما بان غيره لا يشاركه في الطول ويجب أن يكون علمه بحال الغير شرطا في حسن الخبر كما ان علمه بحال المذكور شرط في حسن الخبر ومعلوم خلاف ذلك عند كل عاقل وأيضا فان ألفاظ النفي مفارقة لألفاظ الاثبات
(٢٠)