كما يخاطبه من المجمل بما لا يفهم المراد به وعول على تصفح الأصول والنظر فيها حتى يعثر على البيان فان كان ما قلتموه تمكينا من العلم فالذي ألزمناكم أيضا تمكين ولا شبهة على عاقل في قبح الخطاب بالزنجية لمن ذكرنا حاله وهو نظير ما ذهبوا إلى جوازه ومما يدل أيضا على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة قوله تعالى ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك (يبين لنا) ما هي ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدون قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الان جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون ووجه الدلالة من الآية انه تعالى امرهم بذبح بقرة هذه الصفات كلها لها ولم يبين ذلك في أول الخطاب حتى سئلوا عنه وراجعوا فيه واستفهموه فبين لهم المراد شيئا بعد شئ وهذا يدل على جواز تأخير البيان فان قالوا لم زعمتم ان الصفات المذكورة كلها في البقرة الأولى التي أمروا في الخطاب الأول بذبحها وما أنكرتم أن يكونوا أمروا ان الخطاب الأول بذبح بقرة من عوض البقرة من غير اشتراط هذه الصفات فلو ذبحوا بقرة من غير أن تكون بهذه الصفات المذكورة فيما بعد لكانوا قد فعلوا الواجب فلما راجعوا تغيرت المصلحة في تكلفهم فأمروا بذبح بقرة غير فارض ولا بكر من غير مراعاة الصفات الباقية فملا توقفوا أيضا تغيرت المصلحة فامروا بذبح بقرة صفراء فاقع لونها فلما توقفوا تغيرت المصلحة فامروا بذبح بقرة لها الصفات الأخيرة المذكورة وانما يكون ذلك حجة ذلك حجة في تأخير البيان لو صح لكم ان الصفات الواردات كلها للبقرة الأولى وما أنكرتم أن يكون الامر بخلاف ذلك قلنا هذا تأويل من لا يعرف حكم اللغة العربية وما جرت به عادة أهلها في خطابهم وكناياتهم لان الكناية في قوله تعالى ادع لنا ربك يبين لنا ما هي لا يجوز عند محصل أن يكون كناية الا عن البقرة التي تقدم ذكرها وأمروا بذبحها ولم يجز في الكلام ما يجوز أن يكون هذه الكناية كناية عنه الا البقرة ويجرى ذلك مجرى قول أحدنا لغلامه أعطني تفاحة فيقول غلامه ما هي بينها لي ولا يصرف أحد من العقلاء هذه الكناية الا إلى التفاحة المأمور باعطائها إياه ثم قال تعالى بعد ذلك انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك وقد علمنا ان الهاء في قوله انه يقول هي كناية عنه تعالى لأنه لم يتقدم ما يجوز رد هذه الكناية إليه الا اسمه تعالى فكك يجب أن يكون قوله انها كناية عن البقرة المقدم ذكرها والا فما الفرق بين الامرين وكذلك الكلام في الكناية بقوله ما لونها وقوله انها بقرة صفراء فاقع لونها والكناية في قوله ما هي ان البقرة تشابه علينا ثم الكناية في قوله انه
(١٦)