ذلك حكمه فهو خارج عن حد التكليف فان فرضوا فيما زاد على قدر الحاجة فلا نسلم بل ربما كان قبيحا على جهة القطع لأنه عبث لا فائدة فيه ولا نفع في ذلك يعقل واما أحوال النظر فمستثناه أيضا لأنه في تلك الأحوال ليسن بمكلف أن يعلم حسن هذه الأشياء ولا قبحها لأنه لا طريق له إلى ذلك وانما يمكنه ذلك إذا عرف الله (ع) بجميع صفاته وانه ينبغي أن يعلمنا مصالحنا ومفاسدنا وإذا علم جميع ذلك حينئذ تعلق فرضه بأن يعلم هذه الأشياء هل على الحظر أو على الإباحة وفي الأحوال لا يجوز له أن يقدم الا على قدر ما يمسك رمقه ويقوم به حياته وفي أصحابنا من قال ان في هذه الأحوال لابد من أن يعلم الله تعالى ذلك ليسمع ببعثه إليه فيعلمه ان ذلك مفسدة يتجنبه أو مصلحة يجب عليه فعله أو مباح يجوز له تناوله وعلى ما قررته من الدليل لا يجب ذلك لأنه إذا فرضنا تعلق المصلحة والمفسدة بحال المكلف لم يمتنع أن يدوم ذلك زمانا كثيرا ويكون فرضه فيه كله الوقف والشك والاقتصار على قدر ما يمسك رمقه وحياته وهذا الدليل الذي ذكرناه هو المعتمد في هذا الباب والذي يلي ذلك في القوة أن يقال إذا فقدنا الدلالة على حظر (هذه) الأشياء وعلى اباحتها وجب التوقف فيها وتجويز كل واحد من الامرين وليس يلزمنا أكثر من أن نبين ان ما تعلق به كل واحد من الفريقين ليس بدليل في هذا الباب فما استدل به من قال ان الأشياء على الخطر (الحظر) قطعا ان قالوا قد علمنا ان هذه الأشياء لها مالك ولا يجوز لنا ان نتصرف في ملك الغير الا باذنه كما علمنا قبح التصرف فيما لا يملكه في الشاهد واعترف القائلون بالإباحة هذه الطريقة بان قالوا انما قبح في الشاهد التصرف في ملك الغير لأنه يؤدى إلى ضرر مالكه بدلالة ان ما لا ضرر عليه في ذلك جاز لنا ان نتصرف فيه مثل الاستظلال بفئ داره والاستصباح بضوء ناره والاقتباس منها واخذ ما يتساقط من حبه عند الحصاد وغير ذلك من حيث لا ضرر عليه في ذلك فعلمنا ان الذي قبح من ذلك انما قبح لضرر مالكه لا لكونه مالكا والقديم تعالى لا يجوز عليه الضرر على حال فينبغي أن يسوغ لنا التصرف في ملكه ولمن نصر هذا الدليل أن يقول انما حسن الانتفاع في المواضع التي ذكرتموه لا لارتفاع الضرر بل لان هذه الأشياء لا يصح تملكها لان فيئ الحايط ليس بشئ يملك إذا كان في طريق غير مملوك ومتى كان الفئ في ملك صاحبه قبح الدخول إليه وكذلك القول في المصباح فاما أخذنا يتناثر من حبة فلا نسلم انه يحسن وكيف نسلم وله أن يمنعه من ذلك وان يجمعه لنفسه ولو كان مباحا لم يجز له منعه منه على ان على العلة التي ذكروها من اعتبار دخول الضرر على مالكه كان ينبغي أن لا يسوع له اخذ ما يتناثر من حبة لأنا نعلم ان ذلك يدخل عليه فيه ضرر وان كان يسيرا فعلى المذهبين جميعا كان ينبغي أن يقبح ذلك على ان ذلك لو قبح لضرر لا لفقد الاذن من مالكه لكان ينبغي ان لو اذن فيه يحسن ذلك لان الضرر حاصل وليس لهم أن يقولوا انه يحصل له عوض أكثر منه من الثواب أو السرور عاجلا وذلك انا نفرض في من لا يعتقد العوض على ذلك من الملحدة وليس هو أيضا مما يسر بل بما شق عليه واغتم به ومع ذلك حسن التصرف منه إذا اذن فيه وليس لاحد أن يقول ان دليل العقل الدال على إباحة هذه الأشياء يجري
(١١٩)