عدة الأصول (ط.ق) - الشيخ الطوسي - ج ٣ - الصفحة ١٢٠
مجرى اذن سمعي فجاز لنا التصرف فيها وذلك ان لمن نصر هذا الدليل أن يقول لم يثبت ذلك ولو ثبت كان الامر على ما قالوه ونحن نتبع ما يستدل به أصحاب الإباحة ونتكلم عليه انشاء الله واستدل كثير من الفقهاء على ان الأشياء ليست على الحظر أو الوقف بقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وبقوله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فقالوا بين الله تعالى انه لا يستحق أحد العقاب ولا يكون لله عليهم حجة الا بعد انفاذ الرسل وذلك يفيد ان من جهتهم يعلم حسن هذه الأشياء أو قبحها وهذا لا يصح الاستدلال به من وجوه أحدها ان هيهنا أمورا كثيرة معلومة من جهة العقل وجوبها وقبحها مثل رد الوديعة وشكر المنعم والانصاف وقضاء الدين وقبح الظلم والعبث والكذب والجهل وحسن الاحسان الخالص وغير ذلك فعلمنا انه ليس المراد بالآية ما ذكروه ومتى ارتكبوه رفع كون هذه الأشياء معلومة الا بالسمع علم بطلان قولهم وكانت المسألة خارجة عن هذا الباب ومنها ان لله حججا كثيرة غير الرسل من أدلة العقل الدال على توحيده وعدله وجميع صفاته التي من لا يعرفها لا يصح أن يعرف صحة السمع فكيف يقال لا يقوم الحجة الا بعد انفاذ الرسل والمعنى في الآيتين ان يحملا على انه إذا كان المعلوم ان لهم ألطافا ومصالح لا يعلمونها الا بالسمع وجب على القديم تعالى اعلامهم إياها ولم يحسن ان يعاقبهم على تركها الا بعد تعريفهم إياها ولم تقم الحجة عليهم الا بعد انفاذ الرسل ومتى كان الامر على ذلك وجبت بعثة الرسل لأنه لا يمكن معرفة هذه الأشياء الا من جهتهم واستدل من قال ان هذه الأشياء على الإباحة بأن قالوا نحن نعلم ضرورة ان كل ما يصح الانتفاع به ولا ضرورة على أحد فيه عاجلا ولا اجلا فإنه حسن كما يعلم ان كل ألم لا نفع فيه عاجلا ولا اجلا قبيح فدافع أحد الامرين كدافع الاخر وإذا ثبت ذلك وكانت هذه الأشياء لا ضرر فيها عاجلا (ولا اجلا) فيجب أن تكون حسنة قالوا ولا يجوز أن يكون فيها ضرر أصلا (عاجلا خ ر) لأنه لو كان كذلك لم يكن الا لكونها مفسدة في الدين ولو كان كذلك لوجب على القديم تعالى إعلامنا ذلك فلما لم يعلمنا ذلك علمنا انها حسنة وقد مضى في دليلنا ما يمكن أن يكون كلاما على هذه الشبهة وذلك انا قلنا ان هذه الأشياء لا نأمن أن يكون فيها ضرر اجل وإذا لم تأمن ذلك قبح الاقدام عليها كما لو قطعنا ان فيها ضررا واجبنا عن قولهم لو كان فيها ضررا لكان ذلك لأجل المفسدة وذلك يجب على القديم إعلامنا إياه بأن قلنا لا يمتنع ان تتعلق المفسدة باعلامنا جهة الفعل على وجه التفصيل ويكون مصلحتنا في الوقف والشك وتجويز كل واحد من الوجهين في الفعل وإذ كان ذلك جائزا لم يجب عليه تعالى إعلامنا ذلك وجاز ان يقتصر بالمكلف على هذه المنزلة واستدلوا أيضا بأن قالوا إذا صح أن يخلق تعالى الأجسام خالية من الألوان والطعوم فخلقته تعالى للطعم واللون لابد أن يكون فيه وجه حسن فلا يخلو ذلك من أن يكون لنفع نفسه أو لنفع الغير أو خلقها ليضر بها ولا يجوز أن يخلقها لنفع نفسه لأنه يتعالى عن ذلك علوا كبيرا ولا يحسن أن يخلقها ليضر بها لان ذلك قبيح الابتداء به فلم يتق الا أنه خلقها ليقع الغير وذلك يقتضى كونها مباحة والجواب عن ذلك من وجوه أحدها انه انما خلق هذه الأشياء إذا كانت فيها
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في ذكر الوجوه التي تحتاج الأشياء فيها إلى بيان وما يقع به البيان 2
2 فصل فيما ألحق بالمجمل وليس منه وما أخرج منه وهو داخل فيه 7
3 فصل في ذكر جواز تأخير التبليغ والمنع من جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة 11
4 فصل في ذكر جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب وذكر الخلاف فيه 12
5 فصل في أن المخاطب بالعام هل يجوز أن يسمعه وإن لم يسمع الخاص أو لا يجوز 19
6 فصل في القول في دليل الخطاب واختلاف الناس فيه 19
7 فصل في ذكر حقيقة النسخ وبيان شرائطه والفصل بينه وبين البداء 25
8 فصل في ذكر ما يصح معنى النسخ فيه من أفعال المكلف وما لا يصح وبيان شرائطه 30
9 فصل في ذكر جواز نسخ الشرعيات 32
10 فصل في ذكر جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم 36
11 فصل في نسخ الشيء وقبل وقت فعله ما حكمه 37
12 فصل في أن الزيادة في النص هل يكون نسخا أولا 40
13 فصل في أن النقصان من النص هل هو نسخ أم لا والخلاف فيه 43
14 فصل في نسخ الكتاب بالكتاب والسنة بالسنة ونسخ الاجماع والقياس وتجويز القول في النسخ بهما 44
15 فصل في ذكر نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن 45
16 فصل في ذكر الطريق الذي يعرف به الناسخ والمنسوخ ومعرفة تاريخها 50
17 فصل في ذكر جملة من أحكام الافعال ومن يضاف اليه واختلاف وأحوالهم 51
18 فصل في ذكر المعنى التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهل يجب اتباعه في افعاله عقلا أو سمعا وكيف القول فيه 52
19 فصل في الدلالة على أن افعاله صلى الله عليه وآله كلها ليست على الوجوب 55
20 فصل في ذكر الوجوه التي يقع عليها أفعاله صلى الله عليه وآله وبيان الطريق إلى معرفة ذلك 57
21 فصل في ذكر افعاله إذا اختلف هل يصح فيها التعارض أم لا؟ 59
22 فصل في أنه صلي الله عليه وآله هل كان متعبدا بشريعة من كان قبله من الأنبياء أم لا؟ 60
23 (الكلام في الاجماع) فصل في ذكر اختلاف الناس في الاجماع هل هو دليل أم لا؟ 64
24 فصل في كيفية العلم بالاجماع ومن يعتبر قوله فيه 75
25 فصل فيما يتفرع على الاجماع من حيث كان اجماعا عند من قال بذلك... 81
26 (الكلام في القياس) فصل في ذكر حقيقة القياس واختلاف الناس في ورود العبادة به 82
27 فصل في الكلام على من أحال القياس عقلا على اختلاف عللهم 84
28 فصل في أن القياس في الشرع لا يجوز استعماله 89
29 (الكلام في الاجتهاد) فصل في ذكر صفات المفتى والمستفتي وبيان أحكامهما 114
30 فصل في أن النبي صلى الله عليه وآله هل كان مجتهدا في شيء من الاحكام... 116
31 (الكلام في الحظر والإباحة) فصل في ذكر حقيقة الحظر والإباحة 117
32 فصل في ذكر بيان الأشياء التي يقال انها على الحظر والإباحة... 117
33 فصل في ذكر النافي هل عليه دليل أم لا والكلام في استصحاب الحال 123
34 فصل في ذكر ما يعلم على ضربين بالعقل والسمع 125