مجرى اذن سمعي فجاز لنا التصرف فيها وذلك ان لمن نصر هذا الدليل أن يقول لم يثبت ذلك ولو ثبت كان الامر على ما قالوه ونحن نتبع ما يستدل به أصحاب الإباحة ونتكلم عليه انشاء الله واستدل كثير من الفقهاء على ان الأشياء ليست على الحظر أو الوقف بقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وبقوله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فقالوا بين الله تعالى انه لا يستحق أحد العقاب ولا يكون لله عليهم حجة الا بعد انفاذ الرسل وذلك يفيد ان من جهتهم يعلم حسن هذه الأشياء أو قبحها وهذا لا يصح الاستدلال به من وجوه أحدها ان هيهنا أمورا كثيرة معلومة من جهة العقل وجوبها وقبحها مثل رد الوديعة وشكر المنعم والانصاف وقضاء الدين وقبح الظلم والعبث والكذب والجهل وحسن الاحسان الخالص وغير ذلك فعلمنا انه ليس المراد بالآية ما ذكروه ومتى ارتكبوه رفع كون هذه الأشياء معلومة الا بالسمع علم بطلان قولهم وكانت المسألة خارجة عن هذا الباب ومنها ان لله حججا كثيرة غير الرسل من أدلة العقل الدال على توحيده وعدله وجميع صفاته التي من لا يعرفها لا يصح أن يعرف صحة السمع فكيف يقال لا يقوم الحجة الا بعد انفاذ الرسل والمعنى في الآيتين ان يحملا على انه إذا كان المعلوم ان لهم ألطافا ومصالح لا يعلمونها الا بالسمع وجب على القديم تعالى اعلامهم إياها ولم يحسن ان يعاقبهم على تركها الا بعد تعريفهم إياها ولم تقم الحجة عليهم الا بعد انفاذ الرسل ومتى كان الامر على ذلك وجبت بعثة الرسل لأنه لا يمكن معرفة هذه الأشياء الا من جهتهم واستدل من قال ان هذه الأشياء على الإباحة بأن قالوا نحن نعلم ضرورة ان كل ما يصح الانتفاع به ولا ضرورة على أحد فيه عاجلا ولا اجلا فإنه حسن كما يعلم ان كل ألم لا نفع فيه عاجلا ولا اجلا قبيح فدافع أحد الامرين كدافع الاخر وإذا ثبت ذلك وكانت هذه الأشياء لا ضرر فيها عاجلا (ولا اجلا) فيجب أن تكون حسنة قالوا ولا يجوز أن يكون فيها ضرر أصلا (عاجلا خ ر) لأنه لو كان كذلك لم يكن الا لكونها مفسدة في الدين ولو كان كذلك لوجب على القديم تعالى إعلامنا ذلك فلما لم يعلمنا ذلك علمنا انها حسنة وقد مضى في دليلنا ما يمكن أن يكون كلاما على هذه الشبهة وذلك انا قلنا ان هذه الأشياء لا نأمن أن يكون فيها ضرر اجل وإذا لم تأمن ذلك قبح الاقدام عليها كما لو قطعنا ان فيها ضررا واجبنا عن قولهم لو كان فيها ضررا لكان ذلك لأجل المفسدة وذلك يجب على القديم إعلامنا إياه بأن قلنا لا يمتنع ان تتعلق المفسدة باعلامنا جهة الفعل على وجه التفصيل ويكون مصلحتنا في الوقف والشك وتجويز كل واحد من الوجهين في الفعل وإذ كان ذلك جائزا لم يجب عليه تعالى إعلامنا ذلك وجاز ان يقتصر بالمكلف على هذه المنزلة واستدلوا أيضا بأن قالوا إذا صح أن يخلق تعالى الأجسام خالية من الألوان والطعوم فخلقته تعالى للطعم واللون لابد أن يكون فيه وجه حسن فلا يخلو ذلك من أن يكون لنفع نفسه أو لنفع الغير أو خلقها ليضر بها ولا يجوز أن يخلقها لنفع نفسه لأنه يتعالى عن ذلك علوا كبيرا ولا يحسن أن يخلقها ليضر بها لان ذلك قبيح الابتداء به فلم يتق الا أنه خلقها ليقع الغير وذلك يقتضى كونها مباحة والجواب عن ذلك من وجوه أحدها انه انما خلق هذه الأشياء إذا كانت فيها
(١٢٠)