الاحسان والتفضل وانما كان الامر في هذه الأشياء على ما ذكرناه لأنها لا يصح ان تتغير من حسن إلى قبح ومن قبح إلى حسن واختلفوا في الأشياء التي ينتفع بها هل هي على الحظر أو الإباحة أو على الوقف فذهب كثير من البغداديين وطايفة من أصحابنا الامامية إلى انها على الحظر ووافقهم على ذلك جماعة من الفقهاء وذهب أكثر المتكلمين من البصريين وهو المحكى عن أبي الحسن وكثير من الفقهاء إلى انها على الإباحة وهو الذي يختاره سيدنا المرتضى وذهب كثير من الناس إلى انها على الوقف ويجوز كل واحد من الامرين فيه وينتظر ورود السمع بواحد منهما وهذا المذهب كان ينصره شيخنا أبو عبد الله ره وهو الذي يقوى في نفسي والذي يدل على ذلك انه قد ثبت في العقول ان الاقدام على ما يأمن المكلف كونه قبيحا مثل اقدامه على ما لم قبحه الا ترى ان من اقدم على الاخبار بما لم يعلم صحة مخبره جرى في القبح مجرى من اخبر من علمه بأن مخبره على خلاف ما اخبر به على حد واحد وإذا ثبت ذلك وفقدنا الأدلة على حسن هذه الأشياء قطعا ينبغي أن يجوز كونها قبيحة وإذا جوزنا ذلك فيها قبح الاقدام عليها فان قيل نحن نأمن قبحها لأنها لو كانت قبيحة لم تكن الا لكونها مفسدة لأنه ليس لها جهة قبح يلزمها مثل الجهل والظلم والكذب والعبث وغير ذلك ولو كانت للمفسدة لوجب على القديم أن يعلمنا ذلك والا قبح التكليف فلما لم يعلمنا ذلك علمنا حسنها عند ذلك وذلك يفيدنا الإباحة قيل لا يمتنع ان يتعلق المفسدة باعلامنا جهة الفعل على التفصيل فيقبح الاعلام وتكون المصلحة لنا في التوقف في ذلك والشك وتجويز كل واحد من الامرين وإذا لم يمتنع ان يتعلق المصلحة بشكنا والمفسدة باعلامنا جهة الفعل لم يلزم إعلامنا على كل حال وصار ذلك موقوفا على تعلق المصلحة بالاعلام أو المفسدة بالشك فحينئذ يجب الاعلام وذلك موقوف على السمع وليس لاحد أن يقول ان هذا الذي فرضتموه يكاد يعلم ضرورة تعذره لان الفعل لا يخلو من أن يكون قبيحا أو لا يكون كذلك فإن كان قبيحا فلا يكون كذلك الا للمفسدة وان لم يكن قبيحا فذلك الحسن وهذه قسمة مترددة بين النفي والاثبات فكيف اخترتم أنتم قسما ثالثا لا يكاد يعقل وذلك ان الفعل كما قالوا لا يخلو من أن يكون قبيحا أو لا يكون كذلك ولكن لا يمتنع أن يكون للمكلف حالة أخرى يتعلق بها المفسدة والمصلحة وهي الحالة التي يقطع فيها على جهة الفعل على التفصيل وإذا كان ذلك جايزا لم ينفعنا تردد الفعل في نفسه بين القبح والحسن واحتجنا ان نراعي حال المكلف فمتى وجدنا المصلحة تعلقت المفسدة بذلك وجب أن لا يعلم ذلك وكان فرضه الوقف والشك وهو (هذا خ ر) الذي لخصناه ينبغي أن يتأمل جيدا فإنه يسقط معتمد القوم في أدلتهم وربما لم يتصور كثيرا من الذين يتكلمون في هذا الباب ما بيناه ومتى تأمله من يضبط الأصول وقف على وجه الصواب في ذلك فان قيل كيف يمكنكم ان تدفعوا حسن هذه الأشياء ونحن نعلم ضرورة حسن التنفس في الهواء وتناول ما يقوم به الحياة طول مدة النظر في حدوث العالم واثبات الصانع وبيان صفاته وعلى ما قلتموه ينبغي أن يمتنع في هذه الأوقات من الغذاء وغير ذلك يؤدى إلى تلفه وعطبه ومن ارتكب ذلك علم بطلان قوله ضرورة قلنا اما التنفس في الهواء فالانسان ملجاء إليه مضطر وما يكون
(١١٨)