ومصالح وان لم يجز لنا ان ننتفع بها بالاكل بل نفعنا بالامتناع منها فيحصل لنا بها الثواب كما انه خلق أشياء كثيرة يصح الانتفاع بها ومع ذلك فقد حظرها بالسمع مثل شرب الخمر والميتة والزنا وغير ذلك و ليس لهم أن يقولوا ان هذه الأشياء انما حظرها لما كانت مفسدة في الدين وإعلمنا ذلك وليس كذلك ما يصح الانتفاع به ولا يعلم ذلك فيه وذلك انا قد بينا انه لا فرق بين أن تتعلق المصلحة باعلامنا جهة الفعل من قبح أو حسن فيجب عليه أن يعلمنا ذلك وبين أن تتعلق المصلحة بحال لنا جوز معها كل واحد من الامرين فيجب أن يقتصر بنا على تلك الحال لان المراعى حصول المصلحة وإذا ثبت ذلك لحق ثبوت ما علمنا قبحه على طريق القطع والثبات في انه لا يحسن منا الاقدام عليه ومنها ان على مذهب كثير من أهل العدل انما خلق الطعوم والأرابيح والأجسام لأنها لا تصح أن يخلو منها فجرت في هذا الباب مجرى الأكوان التي لا يصح خلو الجسم منها وخلق الجسم إذا ثبت انه مصلحة وجب أن يخلق معه جميع ما يحتاج إليه في وجوده ومنها ان الانتفاع بهذه الأشياء قد يكون بالاستدلال بها على الله تعالى وعلى صفاته فليس الانتفاع مقصورا على التناول فحسب وليس لهم أن يقولوا انه كان يمكن الاستدلال بالأجسام على وحدانية الله تعالى وعلى صفاته فلا معنى لخلق الطعوم و ذلك انه لا يمتنع ان يخلقها لما ذكرناه وان كان الجسم يصح الاستدلال به ويكون ذلك زيادة في الأدلة ولسنا ممن يقول لا يجوز أن ينصب على معرفته أدلة كثيرة لأنا ان قلنا ذلك أدى إلى فساد أكثر الأدلة التي يستدل بها على وحدانيته تعالى فإذا ينبغي أن يجوز أن يخلقها للاستدلال بها وذلك يخرجهما عن حكم العبث ويدخلهما في باب ما خلقت للانتفاع بها وليس لهم أن يقولوا إذا صح الانتفاع بها من الوجهين بالاستدلال والتناول فينبغي ان يقصد به الوجهين وذلك ان هذا محض الدعوى لا برهان عليها بل الذي يحتاج إليه ان يعلم انه لم يخلقها الا لوجه فاما أن يقصد بها جميع الوجوه التي يصح الانتفاع بهما فلا يجب ذلك على انا قد بينا انه لا يمتنع ان يفرض في أحد الوجهين مفسدة في الدين فيحسن أن يخلقها للوجه الاخر ويعلمنا ان فيها فسادا للدين ومتى تناولناها فيجب علينا أن نمتنع منها فان قيل إذا أمكن خلقها للوجهين ولم يقصدهما كان عبثا من الوجه الذي لم يقصد للانتفاع به وجرى ذلك مجرى فعلين يقصد بأحدهما للانتفاع ولا يقصد بالاخر ذلك فيكون ذلك عبثا قيل له ليس الامر على ذلك لان الفعل الواحد إذا كان فيه وجه من وجوه الحكمة خرج من باب العبث وان كان له وجوه اخر كان يجوز ان تقصد وليس كذلك الفعلان لأنه إذا قصد وجه الحكمة في أحدهما بقي الاخر خاليا من ذلك وكان عبثا وليس كذلك الفعل الواحد على ما بيناه فان قيل الانتفاع بالاعتبار
(١٢١)