الحقيقة والمجاز والفرق بينهما لأنه متى لم يعرف ذلك لم يمكنه معرفة ما تضمنه الكتاب ولابد ان يعرف الناسخ والمنسوخ لأنه متى عرف المنسوخ ولم يعرف الناسخ اعتقد الشئ على خلاف ما هو به من وجوب ما لا يجب عليه وقد كان يجوز أن يعرف الناسخ وان لم يعرف المنسوخ لان المنسوخ لا يتعلق به فرضه وان كان له في تلاوته مصلحة إلى ان ذلك على الكفاية غير انه لو كان كذلك لم يمكنه ان يعرفه ناسخا الا بعد أن يعرف المنسوخ اما على الجملة أو التفصيل ولابد أن يعرف العموم والخصوص والمتعلق والمقيد لأنه متى لم يعلم ذلك لا يأمن أن يكون المراد بالعموم الخصوص وبالمطلق المقيد ولابد أن يكون عالما بأنه ليس هناك دليل يصرفه عن الحقيقة إلى المجاز لأنه متى يجوز (جوز خ ر) لم يكن عالما به ولابد أيضا أن يكون عالما بالسنة وناسخها ومنسوخها وعامها وخاصها ومطلقها ومقيدها وحقيقتها ومجازها وانه ليس هناك ما يمنع من الاستدلال بشئ من ظواهرها كما قلناه في الكتاب لأنه متى جوز ذلك لم يكن عالما بها و لابد أن يكون عارفا بالاجماع واحكامه وما يصح الاحتجاج به وما لا يصح ولابد أن يكون عارفا بافعال النبي ومواقعها من الوجوب والندب والإباحة حتى يصح أن يكون عالما بما يفتى به فان أخل بذلك أو بشئ منه لم يأمن أن يكون ما أفتى به بخلاف ما أفتى به وذلك قبيح وقد عد من خالفنا في هذه الاقسام انه لابد أن يكون عالما بالقياس والاجتهاد واخبار الآحاد ووجوه العلل والمقاييس واثبات الامارات المقتضية لغلبة الظن واثبات الاحكام وقد بينا نحن فساد ذلك وانها ليست من أدلة الشرع واما المستفتى فعلى ضربين أحدهما أن يكون متمكنا من الاستدلال والوصول إلى العلم بالحادثة مثل المفتى فمن هذه صورته لا يجوز له أن يقلد المفتى ويرجع إلى فتياه وانما قلنا ذلك لان قول المفتى غاية ما يوجبه غلبة الظن وإذا كان له طريق إلى حصول العلم فلا يجوز له أن يعمل على غلبة الظن على حال واما إذا لم يمكنه الاستدلال ويعجز عن البحث عن ذلك فقد اختلفت قول العلماء في ذلك فحكى عن قوم من البغداديين انهم قالوا لا يجوز له أن يقلد المفتى وانما ينبغي أن يرجع إليه لينبهه على طريقة العلم بالحادثة وان تقليده محرم على كل حال وسووا في ذلك بين احكام الفروع والأصول وذهب البصريون والفقهاء بأسرهم إلى ان العامي لا يجب عليه الاستدلال والاجتهاد وانه يجوز له أن يقبل قول المفتى فاما في أصوله وفي العقليات فحكمه حكم العالم في وجوب معرفة ذلك عليه ولا خلاف بين الناس انه يلزم العامي معرفة الصلاة اعدادها وإذا صح ذلك وكان علمه بذلك لا يتم الا بعد معرفة الله تعالى ومعرفة عدله ومعرفة النبوة وجب أن لا يصح له أن يقلد في ذلك ويجب أن يحكم بخلاف قول من قال يجوز تقليده في التوحيد مع ايجابه منه العلم بالصلوات والذي نذهب إليه انه يجوز للعامي الذي لا يقدر على البحث والتفتيش تقليد العالم يدل على ذلك انى وجدت عامة الطائفة من عهد أمير المؤمنين (ع) والى زماننا هذا يرجعون إلى علمائها ويستفتونهم في الاحكام وفي العبادات ويفتونهم العلماء فيها ويسوغون لهم العمل بما يفتونهم به وما سمعنا أحدا منهم قال لمستفت لا يجوز لك الاستفتاء ولا العمل به بل ينبغي أن تنظر كما نظرت (حتى خ ر) وتعلم كما علمت ولا انكر عليه العمل بما يفتونهم وقد كان منهم الخلق العظيم
(١١٥)