المتأخر ناسخا والمتقدم منسوخا وسواء كان المتقدم عاما في ان الخاص الذي يجئ بعده و يتأخر عنه يكون ناسخا له لان تأخير بيان العموم لا يجوز عن حال الخطاب على ما نبينه فيما بعد وكذلك لو كان المتقدم خاصا والمتأخر عاما فإنه يكون ناسخا الا أن يدل دليل على انه أريد به ما عدا ما تقدمه من الخاص وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم ومتى لم يعلم تاريخهما فالصحيح انه يبنى العام على الخاص ويجمع بينهما وهو مذهب الشافعي وأصحابه وأهل الظاهر وبعض أصحاب أبي حنيفة وفي الناس من قال إذا عدم التاريخ فالواجب ان يرجع في الاخذ بأحدهما إلى دليل ويجريهما مجرى عامين تعارضا وهو مذهب عيسى بن ابان وأبي الحسن الكرخي والذي يدل على صحة المذهب الأول ان من حق من ثبتت حكمته أن لا يلغى كلامه إذا أمكن حمله على وجه بعيد وإذا صح ذلك فمتى أوجبنا استعمال العام لأدى إلى الغاء الخاص ومتى استعملنا الخاص لم يوجب اطراح العام بل يوجب حمله على ما يصح ان يريده الحكيم فوجب بهذه الجملة بناء العام على الخاص ونظير ذلك ما روى عنه (ع) انه قال في السرقة ربع العشر فكان هذا عاما في قليلة وكثيرة ثم قال ليس فيما دون خمس أواق من الورقة صدقة فأوجب هذا ان ما نقص عن خمس أواق ليس فيه صدقة وهو أخص من الأول فلو عملنا بموجب الخبر الأول لاحتجنا إلى اسقاط الخبر الأخير ومتى استعملنا الأخير أمكننا استعمال الأول على ما يطابقه فان قيل هلا حكمتم فيهما بالتعارض كالعمومين لان ما تناوله الخاص قد تناوله الخبر العام وانما زاد عليه العام بتناوله شيئا اخر لم يتناوله الخاص فكان الزايد على ذلك حكم خبر اخر وما تناوله العام مما عارضه الخبر الخاص في حكم خبر اخر فوجب ان يعارض ذلك لما تناوله الخاص ويقف العمل على أحدهما على الدليل قيل هذا لا يجوز لأنه يؤدى إلى ابطال أحد المخبرين (الخبرين) مع صحة حمله على وجه ممكن وليس كذلك حكم العمومين إذا تعارضا لأنه لا يمكن الجمع بينهما على وجه فاما قولهم ان ما تناوله العام في حكم الخبرين تناول أحدهما مثل ما تناول الخبر الخاص والاخر يتناول ما زاد على ذلك وانه ينبغي أن يحكم بالتعارض فيهما ليس بصحيح لان العام إذا كان جملة واحدة صح فيه من صرفه إلى ان المراد به بعضه ما لا يصح فيه إذا
(١٥٤)