بين هذه الصيغ ولو لزم ذلك للزم أن يسمى الإشارة امرا لان المشير قد يشير بما يفهم منه استدعاء الفعل ويسمى سائلا ولا يقول أحد انه امر على حال فان قيل فلو لم يحتج في كونه امرا إلى إرادة المأمور به جاز ان يكون كارها له وقد علمنا استحالة ذلك قيل له ان أردت بأنه إذا استدعى الفعل لا يجوز أن يكون كارها له بمعنى ان ذلك مستحيل فليس الامر كذلك بل ذلك يمكن وان أردت ان ذلك لا يحسن فهو مسلم لأنه متى استدعى الفعل وكان كارها له كان مناقضا لغرضه وان فرضنا ان الامر حكيم يدل على حسن المأمور به فلو كرهه لكان مقبحا وذلك لا يجوز على الحكيم فلأجل ذلك لا يجوز ومتى فرض فيمن ليس بحكيم فان جميع ذلك جايز غير مستحيل واما حملهم ذلك على النهى بان قالوا لما كان من شرط النهى أن يكون كارها للمنتهى عنه وجب في الامر أن يكون مريدا للمأمور به فالجواب عنه ان الكلام في النهي كالكلام في الامر في ان ذلك ليس بمستحيل ولا يخل بكونه نهيا وانما يقبح لان من نهى عن فعل وكان حكيما دل نهيه على قبح المنهى فلأجل ذلك وجب أن يكون كارها له ولم يحسن منه ان يريده لان إرادة القبيح قبيحة ومتى فرض فيمن ليس بحكيم فان ذلك جايز فان قيل فبأي شئ يدخل في أن يكون مستعملا لما وضعه أهل اللغة حقيقة دون المجاز قلنا بأن يقصد إلى استعماله فيما وضعوه وأطلق القول فإنه إذا كان حكيما فانا نعلم انه نعلم امر لأنه لو أراد غير ما وضع له على وجه التجوز لبينه فمتى لم يفرق به البيان دل على انه أراد ما وضع له حقيقة ومتى لم نعرف ان القائل حكيم لا نفهم مراده الا بقرينة أو يضطر إلى قصده لأنه يجوز أن يكون أراد غير ما وضع له وان لم يبين ذلك في الحال لان القبيح غير مأمون منه فاما الكلام في القصد وهل هو من قبيل الاعتقادات أو هو جنس مفرد فليس هذا موضع ذكره وبيان الصحيح منه ولا يمكن أن يدعى ان الامر أمر بجنسه لأنا نجد من جنسه ما ليس بأمر ما هو في مثل صورته فان ادعى ان ذلك غير ما هو موضوع للامر كان ذلك فاسدا من وجهين أحدهما انهما يشتبهان على الحاسة فلا يفصل على السامع بينهما من جهة الادراك الا ترى ان السامع لا يفصل بين قوله أقيموا الصلاة وبين قوله اعملوا ما شئتم من حيث الادراك وان كان أحدهما امرا والاخر تهديدا والوجه الثاني ان ذلك يبطل التوسع والمجاز لان معنى المجاز أن يستعمل اللفظة الموضوعة لشئ في غير ما وضعت له فمتى قيل ان هذه اللفظة ليست تلك بطل هذا الاعتبار ولا يمكن أيضا ان يقال انه يكون امرا لأنه خطاب ولا انه علم الامر ما امر به ولا انه بصورته لان جميع
(٦٦)