تعالى إبليس بالعصيان فإنه علم انه فعل قبيحا بتركه السجود المأمور به وقد دللنا على ان الامر يقتضى الايجاب فلم يخرج من بابه ومن قال بالندب قال علم ذلك بدليل غير الامر فلا يمكن الاستدلال به فاما من اعتمد على ان الامر بالشئ نهى عن ضده لفظا أو معنى فلأجل ذلك اقتضى الايجاب فلا يمكن الاعتماد عليه لان عندنا ليس الامر بالشئ نهيا عن ضده وسنبين ذلك فيما بعده فلا يمكن الاعتماد على ذلك ولا يمكن أيضا ان يعتمد على ان يقال الامر يدل على ان الامر مريد للمأمور به وإذا كان كذلك فلابد أن يكون كارها لضده لان ذلك يفسد من وجهين أحدهما انا قد بينا ان الامر لا يقتضى إرادة المأمور به أصلا فلا يصح ذلك ثم لو اقتضى ذلك لم يجب ان يكون كارها لضده والوجه الثاني ان ذلك يقتضى أن تكون النوافل واجبة لأنها مرادة وقد علمنا انها ليست مكروهة الضد ولا يمكن أيضا ان يقال ان نفس الإرادة للشئ كراهية لضده لان ذلك يفسد من وجهين أيضا أحدهما ان الشئ الواحد لا يجوز أن يكون بصفتين ضدين فكيف يمكن أن يدعى ان لإرادة بصفة الكراهة والثاني ان ذلك ينتقض بالنوافل لأنها مرادة وليس مكروهة الضد ولم يمكن أيضا ان يعتمد بأن يقال ان الامر يقتضى الأمور به وليس على جواز تركه دليل لان القايل ان يقول انه لعمري يقتضى المأمور به ولكن الكلام في انه كيف يقتضيه هل هو على جهة الوجوب أو جهة الندب ولا يمكن أيضا ان يقال ان الامر أراد المأمور به على جهة الايجاب لان ذلك متى لم يشر به إلى ما قلناه من ان الامر يقتضى الايجاب أو ان يقال انه إذا أراد المراد فلابد من أن يكون كارها لضده أو اراده الشئ كراهة لضده لا يعقل فان أريد بذلك الوجه الأول فذلك صحيح وينبغي أن يقتصر على ان يقال ان الامر يقتضى الايجاب ولا يتعرض في العادة وان أريد به ما عدا ذلك فقد أبطلنا صحة ذلك ولا يلزم القائلين بالندب ان يقال لهم ينبغي على قولكم الا يكون فرق بين الامر بالنوافل والفرائض لأنهم يقولون ان بمجرد الامر لا فرق بينهما وانما علمنا حكم الفرايض وانه يستحق بتركها العقاب بدليل غير الامر ولا يلزمهم أيضا ان يقال لهم ينبغي أن يكون الامر لا يدل على أكثر من حسن المأمور به فقط إذا كان صادر من حكيم ويلزم على ذلك أن يكون الله تعالى مريدا للمباحات لأنها حسنه لأنهم يقولون المباحات وان كانت حسنة فلا يحس من القديم تعالى ان يريدها في دار التكليف لان ذلك عبث لا فائدة فيه فالاعتماد على ما قلناه وأحكمناه فصل في حكم الامر الوارد عقيب الحظر ذهب أكثر الفقهاء (خ ل) ومن صنف أصول الفقه إلى ان الامر إذا ورد عقيب الحظر يقتضى
(٧١)