ولا يلزمنا مثل ذلك بان يقال أليس قد استعمل صيغة الخبر في الامر نحو قوله تعالى من دخله كان امنا ونحو قوله والمطلقات يتربصن بأنفسهن وما أشبه ذلك وكذلك قد استعمل صيغة الامر في النهى وغيره من الاقسام نحو الإباحة والتهديد والتكوين وغير ذلك لأنا نقول انما استعملوا ذلك على وجه المجاز دون الحقيقة فان قبل ظاهر استعمالهم يدل على انه حقيقة في الموضعين قيل له لا (نم) ان نفس الاستعمال يدل على الحقيقة لان المجاز أيضا مستعمل وانما يعلم كون اللفظ حقيقة بان ينصوا لنا على انها حقيقة أو نجد اللفظة تطرد في كل موضع أو غير ذلك من الاقسام التي قدمنا ذكرها فيما مضى للفرق بين الحقيقة والمجاز وليس مجرد الاستعمال من ذلك وليس لهم أن يقولوا ان المجاز طار والحقيقة هي الأصل بدلالة انه يجوز أن يكون حقيقة لا مجاز لها ولا يجوز أن يكون مجاز لا حقيقة له فعلم بذلك ان أصل الاستعمال الحقيقة وذلك ان الذي ذكروه غير مسلم لأنه لا يمتنع أن يكون الواصفون للغة وضعوا اللفظة ونصوا على انها إذا استعملت في شئ بعينه كانت حقيقة ومتى استعملوها في غيره كانت مجازا وان لم يقع استعمال اللفظ في واحد من المعنيين ثم يطرء على الوضع الاستعمال فربما استعملوها أولا في الحقيقة وربما استعملوها أولا في المجاز وانما كان يتم ذلك ان لو جعلوا الاستعمال نفسه طريقا إلى معرفة الحقيقة فيجعل ما ابتدى استعمال حقيقة وقد بينا انا لا نقول ذلك فان قيل أليس القائل إذا قيل لغيره أريد منك أن تفعل كذا ناب ذلك مناب قوله افعل فينبغي أن يكون معناهما واحدا قيل له نحن لا نمنع أن يكون لاستدعاء الفعل لفظة أخرى لأنا ادعينا انه لا لفظة يستدعى بها الفعل الا قول القايل افعل بل الذي ادعيناه ان هذه اللفظة يستدعى بها الفعل وان شاركها غيرها في فايدة هذه اللفظة الا أنه متى قال أريد ان يفعل كذا لا يسمى امرا بل يكون مخبرا والخبر غير الامر وليس لهم أن يقولوا ان السؤال أيضا لا يسمى امرا وهؤلاء استدعاء الفعل على ما قررتموه لأنا قد بينا ان معناهما واحد وانما فرقوا بينهما في التسمية لشئ يرجع إلى اعتبار الرتبة وليس يمكن مثل فعل ذلك في صيغة الخبر لأنهم فرقوا بينها وبين صيغة في أصل الوضع دون اعتبار امر اخر فان قيل أليس القائل إذا قال لغيره أريد ان تفعل كذا وكان دون المقول له يسمى سائلا فينبغي إذا قال ذلك وهو فوقه أن يسمى امرا قيل له هذا اثبات بالقياس وذلك لا يجوز لأنه ليس إذا كان للسؤال لفظتان تطلق على مستعملهما لفظ السائل ينبغي أن يكون حكم الامر مثل ذلك ولو جاز ذلك لأدى إلى بطلان ما بيناه من اعتبار أهل اللغة الفرق
(٦٥)