منه لان ذلك يعلم بدليل اخر بخبر اخر وكذلك يعلم بشئ اخر ان افعال فرعون مثل أقواله في كونها غير رشيده فلا يمكن التعلق بذلك والوجه الاخر ان ذلك مجاز لما دللنا عليه من قبل فاما من تعلق في ذلك بان أهل اللغة جمعوا الامر الذي هو من قبيل الأقوال أوامر وجمعوا الامر الذي هو من قبيل الافعال أمورا فينبغي أن يكون ذلك دلالة على كونها مشتركة فيهما فقوله يبطل لأنه يقال له الصحيح ان الامر لا يجمع أوامر أصلا وانما يجمع أمور مثل فلس وفلوس وزرع وزروع وغير ذلك فاما أوامر فخارج عن القياس فان سمع ذلك فإنه يكون على انه جمع الجمع وكأنه جمع أولا أمورا ثم جمع أمور أوامر وعلى هذا لا يدل على مخالفتهم عن ذلك لاختلاف المعنيين وإذا ثبت ما قلناه لا يمكن التعلق بقوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره في وجوب اتباع أفعاله لان ذلك غير داخل فيه على وجه الحقيقة وكونها مرادة على وجه المجاز يحتاج إلى دليل غير الظاهر فبطل التعلق به على كل حال واعلم ان هذه الصيغة التي هي قول القايل افعل وضعها أهل اللغة استدعا الفعل وخالفوا بين معانيها باعتبار الرتبة فسموها إذا كان القايل فوق القول له امرا وإذا كان دونه سؤالا وطلبا ودعاء ومتى استعملوها في غير استدعاء الفعل في التهديد نحو قوله تعالى واستفزز من استطعت وقوله اعملوا ما شئتم وفي الإباحة نحو قوله وإذا حللتم فاصطادوا ونحو قوله فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وفي التحدي نحو قوله فأتوا بعشر سور مفتريات مثله وفي تكوين الشئ نحو قوله كونوا قردة خاسئين وما أشبه ذلك من الوجوه كانت مجازا خارجة عن باب ما وضعت له وهذا مذهب كثير من الفقهاء والمتكلمين وقال جماعة من الفريقين ان هذه الصيغة مشتركة بين جميع ذلك حقيقة فيه وانما يختص ببعضها بالقصد فإذا أراد المأمور (الفعل خ ل) به كان امرا وسؤالا بحسب الرتبة وان كره الفعل كان ذلك نهيا وتهديدا والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه ان أهل اللغة فرقوا بين صيغة الامر وصيغة النهى وصيغة الخبر فقالوا صيغة الامر قول القائل لمن هو دونه افعل وصيغة النهى قول القائل لمن هو دونه لا تفعل والجملة (والخبر مركبة خ ل) مركبة من مبتدأ وخبر ومن فعل وفاعل نحو قولهم زيد في الدار ونحو قام زيد ولو كان الامر على ما قالوه لما كان لفرقهم بين هذه الصيغ معنى وقد علمنا انهم فرقوا وانما قلنا ذلك لأنه إذا كان الاعتبار بإرادة المأمور على قولهم فلو صادف ذلك قول القايل لا تفعل لكان امرا وكذلك لو صادف كراهة ذلك لقوله افعل لكان نهيا وهذا يؤدى إلى انه لا فرق بين هذه الصيغ والمعلوم من حال أهل اللغة خلاف ذلك
(٦٤)