يذهب الا ان الذي يقتضى الجمع بينهما ظاهر قوله تعالى: ﴿أو لامستم النساء﴾ (1) فلا يمنع أن يكون ابن عباس انما دعا زيدا إلى القول بالظاهر، وقال له إذا أجريت ابن الابن مجرى ابن الصلب لوقع اسم الولد عليه وتناول قوله (يوصيكم الله في أولادكم) لهما، فاجر أيضا الحد مجرى الأب لوقوع اسم الأب عليهما، وقد روى عن ابن عباس في ذلك التعلق بالقرآن تصريحا (3)، على أن ظاهر قول ابن عباس يشهد لمذهبنا، لأنه نسب زيدا إلى مفارقة التقوى وخوفه بالله تعالى، فلولا ان زيدا عنده كان في حكم العادل عن النص لم يصح منه اطلاق ذلك القول، لان من يعدل عن موجب القياس إلى اختلاف مذاهب مثبتيه لا ينسب إلى مفارقة التقوى، لان أكثرهم يقول إنه مصيب، ومن خطاه يقول إنه معذور، ولا يبلغ به إلى هذه الحال.
فاما ذكرهم غصني الشجرة وجدولي النهر، فلا يوجب القول بالقياس، وانما سلكوا ذلك تقريبا للقول من الفهم وتنبيها عليه من غير أن يجعلوا ذلك علة موجبة للحكم، كما يفعل المعلم مع المتعلم من ضرب الأمثال، وتقريب البعيد، وإزالة اللبس عن المشتبه.
وكيف يصح أن يدعى في ذلك أنه على طريق المقايسة، وقد علمنا أن القدر الذي اعتمدوه من ذكر الغصن والجدول لا يصح أن يكون عند أحد أصول (4) في الشريعة يقاس عليها وتثبت الاحكام لها؟
على أن الوجه في ذكرهم لما حكى ظاهر، وذلك انهم توصلوا بما ذكر عنهم إلى معرفة أقرب الرجلين من المتوفى وألصقهما به نسبا، ثم رجعوا في توريثه إلى الدليل الموجب للأقرب الميراث، وهذا كما يتنازع رجلان في ميراث ميت ويدعى كل واحد منهما انه أقرب، إليه من الاخر، فيصح لمن أراد اعتبار أمرهما ان يعد الاباء