الاتعاظ والتدبر والتفكر، وذلك هو المفهوم من ظاهره واطلاقه، لأنه لا يقال لمن يستعمل بالقياس العقلي انه معتبر، [كما يقال فيمن يتفكر في معاده، ويتدبر أمر منقلبه ويتعظ بذلك انه معتبر] (1) وكثير الاعتبار، وقد يتقدم بعض الناس في العلوم واثبات الاحكام من طريق القياس، ويقل فكره في معاده وتدبره فيقال انه غير معتبر، أو قليل الاعتبار.
وقد يستوى في المعرفة بحال الشئ واثبات حكمه اثنان، فيوصف أحدهما بالاعتبار دون الاخر على المعنى الذي ذكرناه، ولهذا يقولون عند الامر العظيم: ان في هذا لعبرة، وقال الله تعالى: (وان لكم في الانعام لعبرة).
وما روى عن ابن عباس خبر واحد لا تثبت بمثله اللغة، ولو صح لكان محمولا على المجاز بشهادة الاستعمال الذي ذكرناه.
على انا لو سلمنا جواز استعمال الاعتبار في المقايسة، لم يكن في الآية دلالة الا على ما ذكر منها من امر الكفار، وظنهم ان حصونهم ما نعتهم من الله تعالى، ووقوع ما وقع بهم، فكأنه قال الله تعالى: فاعتبروا بذلك يا أولي الأبصار، وليس يليق هذا الموضع بالقياس في الاحكام (2) الشرعية، لأنه تعالى لو صرح بعقب ما ذكر من حال الكفار بأن يقول: فقيسوا في الأحكام الشرعية واجتهدوا، لكان الكلام لغوا لا فائدة فيه، فلا يليق بعضه ببعض. فثبت انه أراد الاتعاظ والتفكر.
على أنه يمكن ان يقال لهم: على تسليم تناول اللفظة للقياس باطلاقها، ما تنكرون انا نستعمل موجب الآية، بان نقيس الفروع على الأصول، في انا نثبت لها الاحكام الا بالنصوص، لان هذا أيضا قياس فقد ساويناكم في التعلق بالآية، فمن أين لكم ان القياس الذي تناولته الآية هو ما تذكرونه دون ما ذكرناه، وكلاهما قياس على