أحدها كأنه قيل لهم عند سؤالهم عن الحكمة في تمام الأهلة ونقصانها: معلوم أن كل ما يفعله الله فيه حكمة ظاهرة، ومصلحة لعباده، فدعوا السؤال عنه، وانظروا في واحدة تفعلونها أنتم; مما ليس من البر في شئ وأنتم تحسبونها برا.
الثاني أنه من باب الاستطراد; لما ذكر أنها مواقيت للحج; وكان هذا من أفعالهم في الحج; ففي الحديث: أن ناسا من الأنصار كانوا إذا أحرموا لم يدخل أحد منهم حائطا ولا دارا ولا فسطاطا من باب; فإن أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته; منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلما يصعد به. وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء; فقيل لهم: ليس البر بتحرجكم على من دخول الباب; لكن البر بر من اتقى ما حرم الله; وكان من حقهم السؤال عن هذا وتركهم السؤال عن الأهلة. ونظيره في الزيادة على الجواب قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المتوضئ بماء البحر فقال: " هو الطهور ماؤه، الحل ميتته ".
الثالث أنه من قبيل التمثيل لما هم عليه; من تعكيسهم في سؤالهم; وأن مثلهم كمثل من يترك بابا ويدخل من ظهر البيت; فقيل لهم: ليس البر ما أنتم عليه من تعكيس الأسئلة; ولكن البر من اتقى ذلك، ثم قال الله سبحانه: * (وأتوا البيوت من أبوابها) * أي باشروا الأمور من وجوهها التي يجب أن تباشر عليها، ولا تعكسوا. والمراد أن يصمم القلب على أن جميع أفعال الله حكمة منه; وأنه * (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) * فإن في السؤال اتهاما.
ومنها قوله سبحانه وتعالى: * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد