الحرام إلى المسجد الأقصى...) إلى أن قال: * (وآتينا موسى الكتاب) *; فإنه قد يقال: أي رابط بين الإسراء، و * (آتينا موسى الكتاب) *؟ ووجه اتصالها بما قبلها أن التقدير: أطلعناه على الغيب عيانا، وأخبرناه بوقائع من سلف بيانا، لتقوم أخبار على معجزته برهانا; أي سبحان الذي أطلعك على بعض آياته لتقصها ذكرا، وأخبرك بما جرى لموسى وقومه في الكرتين; لتكون قصتهما آية أخرى. أو أنه أسرى بمحمد إلى ربه كما أسرى بموسى من مصر حين خرج منها خائفا يترقب. ثم ذكر بعده: * (ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا) * ليتذكر بنو إسرائيل نعمة الله عليهم قديما; حيث نجاهم من الغرق; إذ لو لم ينج أباهم من أبناء نوح لما وجدوا. وأخبرهم أن نوحا كان عبدا شكورا; وهم ذريته، والولد سر أبيه; فيجب أن يكونوا شاكرين كأبيهم; لأنه يجب أن يسيروا سيرته فيشكروا.
وتأمل كيف أثنى عليه وكيف تليق صفته بالفاصلة، ويتم النظم بها، مع خروجها مخرج المرور عن الكلام الأول إلى ذكره ومدحه بشكره، وأن يعتقدوا تعظيم تخليصه إياهم من الطوفان بما حملهم عليه، ونجاهم منه; حين أهلك من عداهم. وقد عرفهم أنه إنما يؤاخذهم بذنوبهم وفسادهم فيما سلط عليهم من قتلهم. ثم عاد عليهم بالإحسان والإفضال; كي يتذكروا ويعرفوا قدر نعمة الله عليهم وعلى نوح الذي ولدهم وهم ذريته; فلما صاروا إلى جهالتهم وتمردوا عاد عليهم التعذيب.
ثم ذكر تعالى في ثلاث آيات بعد ذلك معنى هذه القصة، بكلمات قليلة العدد، كثيرة الفوائد; لا يمكن شرحها إلا بالتفصيل الكثير والكلام الطويل، مع ما اشتمل عليه من التدريج العجيب، والموعظة العظيمة بقوله: * (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم