فإن قيل: فلم أجمعوا على النصب في * (فلا يؤمنون إلا قليلا) * مع أنه استثناء من غير موجب؟ قيل: لأن هذا استثناء مفرغ; وهو نعت لمصدر محذوف، فالتقدير:
فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا.
ومثله * (وكلا وعد الله الحسنى) * في سورة الحديد، قرأها ابن عامر برفع * (كل) * ووافق الجماعة على النصب في النساء. والفرق أن الذي في سورة الحديد شغل الخبر بهاء مضمرة، وليس قبل هذه الجملة جملة فعلية، فيختار لأجلها النصب، فرفع بالابتداء، وأما التي في سورة النساء فإنما اختير فيها النصب; لأن قبله جملة فعلية، وهي قوله: * (وفضل الله المجاهدين) *.
تنبيه قد يتجاذب الإعراب والمعنى الشئ الواحد، وكان أبو على الفارسي يلم به كثيرا، وذلك أنه يوجد في الكلام أن المعنى يدعو إلى أمر، والإعراب يمنع منه، قالوا: والتمسك بصحة المعنى يؤول لصحة الإعراب، وذلك كقوله تعالى: * (إنه على رجعه لقادر. يوم تبلى السرائر) * فالظرف الذي هو * (يوم) * يقتضى المعنى أن يتعلق بالمصدر الذي هو " رجع "، أي أنه على رجعه في ذلك اليوم لقادر; لكن الإعراب يمنع منه لعدم جواز الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي، يجعل العامل فيه فعلا مقدرا دل عليه المصدر.
وكذا قوله سبحانه: * (لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون) *، فالمعنى يقتضى تعلق " إذ " بالمقت، والإعراب يمنعه للفصل بين المصدر ومعموله بالخبر، فيقدر له فعل يدل عليه المقت.