تنبيه من بديع هذا النوع اختلاف الفاصلتين في موضعين والمحدث عنه واحد لنكتة لطيفة.
وذلك قوله تعالى في سورة إبراهيم: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار) *، قال في سورة النحل، * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) *.
قال القاضي ناصر الدين بن المنير في تفسيره الكبير: كأنه يقول: إذا حصلت النعم الكثيرة فأنت آخذها وأنا معطيها; فحصل لك عند أخذها وصفان:
كونك ظلوما، وكونك كفارا، ولى عند إعطائها وصفان: وهما: أنى غفور رحيم، أقابل ظلمك بغفراني وكفرك برحمتي، فلا أقابل تقصيرك إلا بالتوفير، ولا أجازي جفاءك إلا بالوفاء. انتهى.
وهو حسن، لكن بقي سؤال آخر، وهو: ما الحكمة في تخصيص آية النحل بوصف المنعم، وآية إبراهيم بوصف المنعم عليه، والجواب أن سياق الآية في سورة إبراهيم، في وصف الانسان وما جبل عليه; فناسب ذكر ذلك عقيب أوصافه. وأما آية النحل فسيقت في وصف الله تعالى، وإثبات ألوهيته، وتحقيق صفاته، فناسب ذكر وصفه سبحانه.
فتأمل هذه التراكيب، ما أرقاها أهل في درجة البلاغة!
ونظيره قوله تعالى في سورة الجاثية: * (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها