وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: المناسبة علم حسن; ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر.
قال: ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عنه حسن الحديث فضلا عن أحسنه; فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة ولأسباب مختلفة; وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض; إذ لا يحسن أن يرتبط تصرف الإله في خلقه وأحكامه بعضها ببعض; مع اختلاف العلل والأسباب; كتصرف الملوك والحكام والمفتين، وتصرف الانسان نفسه بأمور متوافقة ومتخالفة ومتضادة. وليس لأحد أن يطلب ربط بعض تلك التصرفات مع بعض، مع اختلافها في نفسها واختلاف أوقاتها. انتهى.
قال بعض مشايخنا المحققين: قد وهم من قال: لا يطلب للآي الكريمة مناسبة; لأنها حسب الوقائع المتفرقة. وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلا، وعلى حسب الحكمة ترتيبا; فالمصحف كالصحف الكريمة على وفق ما في الكتاب المكنون مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف. وحافظ القرآن العظيم لو استفتى في أحكام متعددة، أو ناظر فيها، أو أملاها لذكر آية يقول كل حكم على ما سئل، وإذا رجع إلى التلاوة لم يتل كما أفتى، ولا كما نزل مفرقا; بل كما أنزل جملة إلى بيت العزة. ومن المعجز البين أسلوبه، ونظمه الباهر; فإنه * (كتاب أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير) *. قال: والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شئ عن كونها مكملة لما قبلها، أو مستقلة. ثم المستقلة; ما وجه مناسبتها لما قبلها؟ ففي ذلك علم جم; وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له.