الانسان ليطغى أن رآه استغنى " " ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى " أي ولئن كان ثم معاد فليحسنن إلى ربي كما أحسن إلي في هذه الدار يتمنى على الله عز وجل مع إساءته العمل وعدم اليقين قال الله تبارك وتعالى " فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ " يتهدد تعالى من كان هذا عمله واعتقاده بالعقاب والنكال ثم قال تعالى " وإذا أنعمنا على الانسان أعرض ونأى بجانبه " أي أعرض عن الطاعة واستكبر عن الانقياد لأوامر الله عز وجل كقوله جل جلاله " فتولى بركنه " " وإذا مسه الشر " أي الشدة " فذو دعاء عريض " أي يطيل المسألة في الشئ الواحد فالكلام العريض ما طال لفظه وقل معناه والوجيز عكسه وهو ما قل ودل وقد قال تعالى " وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه " الآية.
قل أرءيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد (52) سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد (53) ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شئ محيط (54) يقول تعالى " قل " يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بالقرآن " أرأيتم إن كان " هذا القرآن " من عند الله ثم كفرتم به " أي كيف ترون حالكم عند الذي أنزله على رسوله؟ ولهذا قال عز وجل " من أضل ممن هو في شقاق بعيد " أي في كفر وعناد ومشاقة للحق ومسلك بعيد من الهدى ثم قال جل جلاله " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم " أي سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقا منزلا من عند الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلائل خارجية " في الآفاق " من الفتوحات وظهور الاسلام على الأقاليم وسائر الأديان قال مجاهد والحسن والسدي ودلائل في أنفسهم قالوا: وقعة بدر وفتح مكة ونحو ذلك من الوقائع التي حلت بهم نصر الله فيها محمدا صلى الله عليه وسلم وصحبه وخذل فيها الباطل وحزبه ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الانسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والاختلاط والهيئات العجيبة كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى وكذلك ما هو مجبول عليه من الأخلاق المتباينة من حسن وقبح وغير ذلك وما هو متصرف فيه تحت الاقدار التي لا يقدر بحوله وقوته وحيله وحذره أن يجوزها ولا يتعداها كما أنشده ابن أبي الدنيا في كتابه التفكر والاعتبار عن شيخه أبي جعفر القرشي حيث قال وأحسن المقال وإذا نظرت تريد معتبرا فانظر إليك ففيك معتبر أنت الذي تمسي وتصبح في الدنيا وكل أموره عبر أنت المصرف كان في صغر ثم استقل بشخصك الكبر أنت الذي تنعاه خلقته ينعاه منه الشعر والبشر أنت الذي تعطى وتسلب لا ينجيه من أن يسلب الحذر أنت الذي لا شئ منه له وأحق منه بماله القدر وقوله تعالى " حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد " أي كفى بالله شهيدا على أفعال عباده وأقوالهم وهو يشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق فيما أخبر به عنه كما قال " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه " الآية. وقوله تعالى " ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم " أي في شك من قيام الساعة ولهذا لا