وقال ابن مسعود رضي الله عنه لو كنت مؤذنا ما باليت أن لا أحج ولا أعتمر ولا أجاهد قال وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو كنت مؤذنا لكمل أمري وما باليت أن لا أنتصب لقيام الليل ولا لصيام النهار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم اغفر للمؤذنين ثلاثا " قال: فقلت يا رسول الله تركتنا ونحن نجتلد على الاذان بالسيوف قال " كلا يا عمر إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الاذان على ضعفائهم وتلك لحوم حرمها الله عز وجل على النار لحوم المؤذنين " قال: وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها ولهم هذه الآية " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " قالت فهو المؤذن إذا قال حي على الصلاة فقد دعا إلى الله وهكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما وعكرمة إنها نزلت في المؤذنين وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال في قوله عز وجل " وعمل صالحا " يعني صلاة ركعتين بين الأذان والإقامة ثم أورد البغوي حديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بين كل أذانين صلاة - ثم قال في الثالثة - لمن شاء " وقد أخرجه الجماعة في كتبهم من حديث عبد الله بن بريدة عنه وحديث الثوري عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال الثوري لا أراه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم " الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة " ورواه أبو داود والترمذي والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث الثوري به وقال الترمذي هذا حديث حسن ورواه النسائي أيضا من حديث سليمان التيمي عن قتادة عن أنس به والصحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم فأما حال نزول هذه الآية فإنه لم يكن الاذان مشروعا بالكلية لأنها مكية والاذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة حين أريه عبد الله بن عبد ربه الأنصاري رضي الله عنه في منامه فقصه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يلقيه على بلال رضي الله عنه فإنه أندى صوتا كما هو مقرر في موضعه فالصحيح إذن أنها عامة كما قال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " قال هذا حبيب الله هذا ولي الله هذا صفوة الله هذا خيرة الله هذا أحب أهل الأرض إلى الله أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحا في إجابته وقال إنني من المسلمين هذا خليفة الله قوله تعالى " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة " أي فرق عظيم بين هذه وهذه " ادفع بالتي هي أحسن " أي من أساء إليك فادفعه عنك بالاحسان إليه كما قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه. وقوله عز وجل " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم " وهو الصديق أي إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي قريب إليك من الشفقة عليك والاحسان إليك قال عز وجل " وما يلقاها إلا الذين صبروا " أي وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك فإنه يشق على النفوس " وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " أي ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم. وقوله تعالى " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله " أي أن شيطان الانس ربما ينخدع بالاحسان إليه فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " وقد قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في سورة الأعراف عند قوله تعالى " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم " وفي سورة المؤمنين عند قوله " ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون ".
(١٠٩)