جاءهم " قال الضحاك والسدي وقتادة وهو القرآن " وإنه لكتاب عزيز " أي منيع الجناب لا يرام أن يأتي أحد بمثله " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " أي ليس للبطلان إليه سبيل لأنه منزل من رب العالمين ولهذا قال " تنزيل من حكيم حميد " أي حكيم في أقواله وأفعاله حميد بمعنى محمود أي في جميع ما يأمر به وينهى عنه الجميع محمودة عواقبه وغاياته. ثم قال عز وجل " ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك " قال قتادة والسدي وغيرهما ما يقال لك التكذيب إلا كما قد قيل للرسل من قبلك فكما كذبت كذبوا وكما صبروا على أذى قومهم لهم فأصبر أنت على أذى قومك لك وهذا اختيار ابن جرير ولم يحك هو ولا ابن أبي حاتم غيره.
وقوله تعالى " إن ربك لذو مغفرة " أي لمن تاب إليه " وذو عقاب أليم " أي لمن استمر على كفره وطغيانه وعناده وشقاقه ومخالفته. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال نزلت هذه الآية " إن ربك لذو مغفرة " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش ولولا وعيده وعقابه لا تكل كل أحد ".
ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون فئ اذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد (44) ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم وإنهم لفى شك منه مريب (45) لما ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلاغته وإحكامه في لفظه ومعناه ومع هذا لم يؤمن به المشركون نبه على أن كفرهم به كفر عناد وتعنت كما قال عز وجل " ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين " كذلك لو أنزل القرآن كله بلغة العجم لقالوا على وجه التعنت والعناد " لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي " أي لقالوا هلا أنزل مفصلا بلغة العرب ولأنكروا ذلك فقالوا أعجمي وعربي أي كيف ينزل كلام أعجمي على مخاطب عربي لا يفهمه؟ هكذا روي هذا المعنى عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي وغيرهم وقيل المراد بقولهم " لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي " أي هل ينزل بعضها بالأعجمي وبعضها بالعربي؟ هذا قول الحسن البصري وكان يقرؤها كذلك بلا استفهام في قوله أعجمي وهو رواية عن سعيد بن جبير وهو في التعنت والعناد أبلغ ثم قال عز وجل " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء " أي قل يا محمد هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب " والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر " أي لا يفهمون ما فيه " وهو عليهم عمى " أي لا يهتدون إلى ما فيه من البيان كما قال سبحانه وتعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " " أولئك ينادون من مكان بعيد " قال مجاهد يعني بعيد من قلوبهم قال ابن جرير معناه كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد لا يفهمون ما يقول قلت وهذا كقوله تعالى " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون " وقال الضحاك ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم. وقال السدي كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالسا عند رجل من المسلمين يقضي إذ قال يا لبيكاه فقال له عمر رضي الله عنه لم تلبي؟ هل رأيت أحدا أو دعاك أحد؟ فقال دعاني داع من وراء البحر فقال عمر رضي الله عنه أولئك ينادون من مكان بعيد رواه ابن أبي حاتم. وقوله تبارك وتعالى " ولقد أتينا موسى الكتاب فاختلف فيه " أي كذب وأوذي " فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل " " ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى " بتأخير الحساب إلى يوم المعاد " لقضي بينهم " أي لعجل لهم العذاب بل