بلغوا القنطرة الثالثة سئلوا عن الرحم كيف وصلوها وكيف قطعوها قال فيهلك من هلك وينجو من نجا قال والرحم يومئذ متدلية إلى الهوى في جهنم تقول اللهم من وصلني فصله ومن قطعني فاقطعه قال وهي التي يقول الله عز وجل " إن ربك لبالمرصاد " هكذا أورد هذا الأثر ولم يذكر تمامه.
فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن (15) وإما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن (16) كلا بل لا تكرمون اليتيم (17) ولا تحاضون على طعام المسكين (18) وتأكلون التراث أكلا لما (19) وتحبون المال حبا جما (20) يقول تعالى منكرا على الانسان في اعتقاده إذا وسع الله تعالى عليه في الرزق ليختبره في ذلك فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك بل هو ابتلاء وامتحان كما قال تعالى " أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه في الرزق يعتقد أن ذلك من الله إهانة له كما قال الله تعالى " كلا " أي ليس الامر كما زعم لا في هذا ولا في هذا فإن الله تعالى يعطي المال من يحب ومن لا يحب ويضيق على من يحب ومن لا يحب وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك وإذا كان فقيرا بأن يصبر وقوله تعالى " بل لا تكرمون اليتيم " فيه أمر بالاكرام له كما جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أيوب عن يحيى بن سليمان عن يزيد بن أبي غياث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه - ثم قال بأصبعه - أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ". وقال أبو داود حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان أخبرنا عبد العزيز يعني أبن أبي حازم حدثني أبي عن سهل يعني ابن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة " وقرن بين أصبعية الوسطي والتي تلي الابهام (ولا تحاضون على طعام المسكين) يعني لا يأمرون بالاحسان إلى الفقراء والمساكين ويحث بعضهم على بعض في ذلك " وتأكلون التراث " يعني الميراث " أكلا لما " أي من أي جهة حصل لهم من حلال أو حرام (وتحبون المال حبا جما) أي كثيرا زاد بعضهم فاحشا.
كلا إذا دكت الأرض دكا دكا (21) وجاء ربك والملك صفا صفا (22) وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وأنى له الذكرى (23) يقول يا ليتني قدمت لحياتي (24) فيومئذ لا يعذب عذابه أحد (25) ولا يوثق وثاقه أحد (26) يا أيها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي (30) يخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة فقال تعالى " كلا " أي حقا " إذا دكت الأرض دكا دكا " أي وطئت ومهدت وسويت الجبال وقام الخلائق من قبورهم لربهم " وجاء ربك " يعني لفصل القضاء بين خلقه وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الاطلاق محمد صلى الله عليه وسلم بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدا بعد واحد فكلهم يقول لست بصاحب ذاكم حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول " أنا لها أنا لها " فيذهب فيشفع