ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شئ بصير (19) وهذا أيضا من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم بسبب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره وهو مع هذا يحلم ويصفح ويؤجل ولا يعجل كما قال تعالى " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا " وقال ههنا " أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور " أي تذهب وتجئ وتضطرب " أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا " أي ريحا فيها حصباء تدمغكم كما قال تعالى " أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا " وهكذا توعدهم ههنا بقوله " فستعلمون كيف نذير " أي كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلف عنه وكذب به. ثم قال تعالى " ولقد كذب الذين من قبلهم " أي من الأمم السالفة والقرون الخالية " فكيف كان نكير " أي فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم؟ أي عظيما شديدا أليما. ثم قال تعالى " أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن " أي تارة يصففن أجنحتهن في الهواء وتارة تجمع جناحا وتنشر جناحا " ما يمسكهن " أي في الجو " إلا الرحمن " أي بما سخر لهن من الهواء من رحمته ولطفه " إنه بكل شئ بصير " أي بما يصلح كل شئ من مخلوقاته وهذه كقوله تعالى " أو لم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله * إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ".
أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور (20) أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور (21) أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم (22) قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة قليلا ما تشكرون (23) قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون (24) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (25) قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين (26) فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون (27) يقول تعالى للمشركين الذين عبدوا معه غيره يبتغون عندهم نصرا ورزقا منكرا عليهم فيما اعتقدوه ومخبرا لهم أنه لا يحصل لهم ما أملوه فقال تعالى " أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن " أي ليس لكم من دونه من ولي ولا واق ولا ناصر لكم غيره ولهذا قال تعالى " إن الكافرون إلا في غرور ". ثم قال تعالى " أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه " أي من هذا الذي إذا قطع الله عنكم رزقه يرزقكم بعده؟ أي لا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق وينصر إلا الله عز وجل وحده لا شريك له أي وهم يعلمون ذلك ومع هذا يعبدون غيره ولهذا قال تعالى " بل لجوا " أي استمروا في طغيانهم وإفكهم وضلالهم " في عتو ونفور " أي في معاندة واستكبار ونفور على إدبارهم عن الحق لا يسمعون له ولا يتبعونه. ثم قال تعالى (أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم) وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي منكبا على وجهه أي يمشي منحنيا لا مستويا على وجهه أي لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب بل تائه حائر ضال أهذا أهدى " أمن يمشي سويا " أي منتصب القامة " على صراط مستقيم " أي على طريق واضح بين وهو في نفسه مستقيم وطريقه مستقيمة؟ هذا مثلهم في الدنيا وكذلك يكونون في الآخرة فالمؤمن يحشر يمشي سويا على صراط مستقيم مفض به إلى الجنة الفيحاء وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم