" احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم " الآيات أزواجهم أشباههم. قال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا ابن نمير حدثنا إسماعيل عن نفيع قال سمعت أنس بن مالك يقول قيل يا رسول الله كيف يحشر الناس على وجوههم؟ فقال " أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم؟ " وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طريق (1) وقوله تعالى " قل هو الذي أنشأكم " أي ابتدأ خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا " وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة " أي العقول والإدراك " قليلا ما تشكرون " أي قلما تستعملون هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم في طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره " قل هو الذي ذرأكم في الأرض " أي بثكم ونشركم في أقطار الأرض وأرجائها مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم وحلاكم وأشكالكم وصوركم " وإليه تحشرون " أي تجمعون بعد هذا التفرق والشتات يجمعكم كما فرقكم ويعيدكم كما بدأكم. ثم قال تعالى مخبرا عن الكفار المنكرين للمعاد المستبعدين وقوعه " ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " أي متى يقع هذا الذي تخبرنا بكونه من الاجتماع بعد هذا التفرق " قل إنما العلم عند الله " أي لا يعلم وقت ذلك على التعيين إلا الله عز وجل لكنه أمرني أن أخبركم أن هذا كائن وواقع لا محالة فاحذروه " وإنما أنا نذير مبين " أي وإنما علي البلاغ وقد أديته إليكم.
قال الله تعالى " فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا " أي لما قامت القيامة وشاهدها الكفار ورأوا أن الامر كان قريبا لان كل ما هو آت آت وإن طال زمنه فلما وقع ما كذبوا به ساءهم ذلك لما يعلمون ما لهم هناك من الشر أي فأحاط بهم ذلك وجاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ولا حساب " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون * وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " ولهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ " هذا الذي كنتم به تدعون " أي تستعجلون.
قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم (28) قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين (29) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين (30) يقول تعالى " قل " يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الجاحدين لنعمه " أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم " أي خلصوا أنفسكم فإنه لا منقذ لكم من الله إلا التوبة والإنابة والرجوع إلى دينه ولا ينفعكم وقوع ما تتمنون لنا من العذاب والنكال فسواء عذبنا الله أو رحمنا فلا مناص لكم من نكاله وعذابه الأليم الواقع بكم. ثم قال تعالى " قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا " أي آمنا برب العالمين الرحمن الرحيم وعليه توكلنا في جميع أمورنا كما قال تعالى " فاعبده وتوكل عليه " ولهذا قال تعالى " فستعلمون من هو في ضلال مبين " أي منا ومنكم ولمن تكون العاقبة في الدنيا والآخرة ثم قال تعالى إظهارا للرحمة في خلقه " قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا " أي ذاهبا في الأرض إلى أسفل فلا ينال بالفؤوس الحداد ولا السواعد الشداد والغائر عكس النابع ولهذا قال تعالى " فمن يأتيكم بماء معين " أي نابع سائح جار على وجه الأرض أي لا يقدر على ذلك إلا الله عز وجل فمن فضله وكرمه أن أنبع لكم المياه وأجراها في سائر أقطار الأرض بحسب ما يحتاج العباد إليه من القلة والكثرة فلله الحمد والمنة آخر تفسير سورة الملك ولله الحمد.