" إن أول شئ خلقه الله القلم فأمره فكتب كل شئ " غريب من هذا الوجه ولم يخرجوه وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد والقلم يعني الذي كتب به الذكر وقوله تعالى " وما يسطرون " أي يكتبون كما تقدم.
وقوله (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) أي لست ولله الحمد بمجنون كما يقوله الجهلة من قومك المكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين فنسبوك فيه إلى الجنون (وإن لك لاجرا غير ممنون) أي بل إن لك الاجر العظيم والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق وصبرك على أذاهم ومعنى غير ممنون أي غير مقطوع كقوله " عطاء غير مجذوذ " " فلهم أجر غير ممنون " أي غير مقطوع عنهم وقال مجاهد غير ممنون أي غير محسوب وهو يرجع إلى ما قلناه وقوله تعالى " وإنك لعلى خلق عظيم " قال العوفي عن ابن عباس وإنك لعلى دين عظيم وهو الاسلام وكذلك قال مجاهد وأبو مالك والسدي والربيع بن أنس وكذا قال الضحاك وابن زيد. وقال عطية لعلى أدب عظيم وقال معمر عن قتادة سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن تقول كما هو في القرآن. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله " وإنك لعلى خلق عظيم " ذكر لنا أن سعيد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ألست تقرأ القرآن؟ قال بلى قالت فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال سألت عائشة فقلت أخبريني يا أم المؤمنين عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أتقرأ القرآن؟ فقلت نعم فقالت كان خلقه القرآن هذا مختصر من حديث طويل وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث قتادة بطوله وسيأتي في سورة المزمل إن شاء الله تعالى وبه الثقة. وقال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا يونس عن الحسن قال سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن. وقال الإمام أحمد حدثنا أسود حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواد قال سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أما تقرأ القرآن؟
" وإنك لعلى خلق عظيم " قال: قلت حدثيني عن ذاك قالت صنعت له طعاما وصنعت له حفصة طعاما فقالت لجاريتي اذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعته قبل فاطرحي الطعام قالت: فجاءت بالطعام قالت فألقت الجارية فوقعت القصعة فانكسرت وكان نطع قالت فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " اقتصوا - أو اقتضى شك أسود - ظرفا مكان ظرفك " قالت فما قال شيئا. وقال ابن جرير حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس حدثنا أبي حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن عن سعد بن هشام قال أتيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقلت لها أخبريني بخلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن أما تقرأ " وإنك لعل خلق عظيم " وقد روى أبو داود والنسائي من حديث الحسن نحوه وقال ابن جرير حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال حججت فدخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وهكذا رواه أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي. رواه النسائي في التفسير عن إسحاق بن منصور عن عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح به.
ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له وخلقا تطبعه وترك طبعه الجبلي فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط ولا قال لشئ فعلته لم فعلته؟ ولا لشئ لم أفعله ألا فعلته وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال البخاري حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا إبراهيم بن يونس عن أبيه عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسن الناس خلقا ليس بالطويل ولا بالقصير. والأحاديث في هذا