لا يفقهون (13) لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون (14) كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم (15) كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين (16) فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين (17) يخبر تعالى عن المنافقين كعبد الله بن أبي وأضرابه حين بعثوا إلى يهود بني النضير يعدونهم النصر من أنفسهم فقال تعالى " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم " قال الله تعالى " والله يشهد إنهم لكاذبون " أي لكاذبون فيما وعدوهم به إما لانهم قالوا لهم قولا من نيتهم أن لا يقول لهم به وإما لانهم لا يقع منهم الذي قالوه ولهذا قال تعالى " ولئن قوتلوا لا ينصرونهم " أي لا يقاتلون معهم " ولئن نصروهم " أي قاتلوا معهم " ليولن الادبار ثم لا ينصرون " وهذه بشارة مستقلة بنفسها. ثم قال تعالى " لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله " أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله كقوله تعالى " إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية " ولهذا قال تعالى " ذلك بأنهم قوم لا يفقهون " ثم قال تعالى " لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر " يعني أنهم من جبنهم وهلعهم لا يقدرون على مواجهة جيش الاسلام بالمبارزة والمقاتلة بل إما في حصون أو من وراء جدر محاصرين فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة. ثم قال تعالى " بأسهم بينهم شديد " أي عداوتهم فيما بينهم شديدة كما قال تعالى " ويذيق بعضكم بأس بعض " ولهذا قال تعالى " تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى " أي تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين وهم مختلفون غاية الاختلاف قال إبراهيم النخعي يعني أهل الكتاب والمنافقين " ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ". ثم قال تعالى (كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم) قال مجاهد والسدي ومقاتل بن حيان يعني كمثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر وقال ابن عباس " كمثل الذين من قبلهم " يعني يهود بني قينقاع وكذا قال قتادة ومحمد بن إسحاق وهذا القول أشبه بالصواب فإن يهود بني قينقاع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجلاهم قبل هذا. وقوله تعالى (كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك) يعني مثل هؤلاء اليهود في اغترارهم بالذين وعدوهم النصر من المنافقين وقول المنافقين لهم لئن قوتلتم لننصرنكم ثم لما حقت الحقائق وجد بهم الحصار والقتال تخلوا عنهم وأسلموهم للهلكة مثالهم في هذا كمثل الشيطان إذ سول للانسان - والعياذ بالله - الكفر فإذا دخل فيما سوله له تبرأ منه وتنصل وقال " إني أخاف الله رب العالمين ". وقد ذكر بعضهم ههنا قصة لبعض عباد بني إسرائيل هي كالمثال لهذا المثل لا أنها المرادة وحدها بالمثل بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكلة لها فقال ابن جرير حدثنا خلاد بن أسلم أخبرنا النضر بن شميل أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت عبد الله بن نهيك قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول: إن راهبا تعبد ستين سنة وإن الشيطان أراده فأعياه فعمد إلى امرأة فأجنها ولها إخوة فقال لاخوتها عليكم بهذا القس فيداويها قال فجاءوا بها إليه فداواها وكانت عنده فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت فعمد إليها فقتلها فجاء إخوتها فقال الشيطان للراهب أنا صاحبك إنك أعييتني أنا صنعت هذا بك فأطعني أنجك مما صنعت بك فاسجد لي سجدة فسجد فلما سجد له قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين فذلك قوله " كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين ".
وقال ابن جرير حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي حدثنا أبي عن أبيه عن جده عن الأعمش عن عمارة عن عبد