" وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون " قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا " إلى آخرها يقول لو أني أنزلت هذا القران على جبل حملته إياه لتصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله فأمر الله الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع ثم قال تعالى " وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون " وكذا قال قتادة وابن جرير. وقد ثبت في الحديث المتواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عمل له المنبر وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذع من جذوع المسجد فلما وضع المنبر أول ما وضع وجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليخطب فجاوز الجذع إلى نحو المنبر فعند ذلك حن الجذع وجعل يئن كما يئن الصبي الذي يسكت لما كان يسمع من الذكر والوحي عنده ففي بعض روايات هذا الحديث قال الحسن البصري بعد إيراده فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجذع وهكذا هذه الآية الكريمة إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلام الله وفهمته لخشعت وتصدعت من خشيته فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟ وقد قال تعالى " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى " الآية وقد تقدم أن معنى ذلك أي لكان هذا القرآن وقد قال تعالى " وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله " ثم قال تعالى (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم) أخبر تعالى أنه الذي لا إله إلا هو فلا رب غيره ولا إله للوجود سواه وكل ما يعبد من دونه فباطل وأنه عالم الغيب والشهادة أي يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا والغائبات عنا فلا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء من جليل وحقير وصغير وكبير حتى الذر في الظلمات. وقوله تعالى " هو الرحمن الرحيم " قد تقدم الكلام على ذلك في أول التفسير بما أغنى عن إعادته ههنا والمراد أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما وقد قال تعالى " ورحمتي وسعت كل شئ " وقال تعالى " كتب ربكم على نفسه الرحمة " وقال تعالى " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ".
ثم قال تعالى " هو الله الذي لا إله إلا هو الملك " أي المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة وقوله تعالى " القدوس " قال وهب بن منبه أي الطاهر وقال مجاهد وقتادة أي المبارك وقال ابن جريج تقدسه الملائكة الكرام " السلام " أي من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله وقوله تعالى " المؤمن " قال الضحاك عن ابن عباس أي أمن خلقه من أن يظلمهم وقال قتادة أمن بقوله أنه حق وقال ابن زيد صدق عباده المؤمنين في إيمانهم به. وقوله تعالى " المهيمن " قال ابن عباس وغير واحد أي الشاهد على خلقه بأعمالهم بمعنى هو رقيب عليهم كقوله " والله على كل شئ شهيد " وقوله " ثم الله شهيد على ما يفعلون " وقوله " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت " الآية. وقوله تعالى " العزيز " أي الذي قد عز كل شئ فقهره وغلب الأشياء فلا ينال جنابه لعزته وعظمته وجبروته وكبريائه ولهذا قال تعالى " الجبار المتكبر " أي الذي لا تليق الجبرية إلا له ولا التكبر إلا لعظمته كما تقدم في الصحيح " العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما عذبته " وقال قتادة: الجبار الذي جبر خلقه على ما يشاء وقال ابن جرير الجبار المصلح أمور خلقه المتصرف فيهم بما فيه صلاحهم وقال قتادة المتكبر يعني عن كل سوء ثم قال تعالى " سبحان الله عما يشركون " وقوله تعالى " هو الله الخالق البارئ المصور " الخلق التقدير والبرء هو الفري وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود وليس كل من قدر شيئا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل قال الشاعر يمدح آخر:
ولانت تفري ما خلقت وبعض * القوم يخلق ثم لا يفري أي أنت تنفذ ما خلقت أي قدرت بخلاف غيرك فإنه لا يستطيع ما يريد فالخلق التقدير والفري التنفيذ ومنه يقال