والله بما تعملون بصير (3) كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن حاطبا هذا كان رجلا من المهاجرين وكان من أهل بدر أيضا وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم بل كان حليفا لعثمان فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض أهلها العهد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال " اللهم عم عليهم خبرنا " فعمد حاطب هذا فكتب كتابا وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يدا فأطلع الله تعالى على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم استجابة لدعائه فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها وهذا بين في هذا الحديث المتفق على صحته. قال الإمام أحمد حدثنا سفيان عن عمه أخبرني حسن بن محمد بن علي أخبرني عبد الله بن أبي رافع وقال مرة إن عبيد الله بن أبي رافع أخبره أنه سمع عليا رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب قلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب قال فأخرجت الكتاب من عقاصها فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا حاطب ما هذا؟ " قال لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الاسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه صدقكم " فقال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وهكذا أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة من غير وجه عن سفيان بن عيينة به وزاد البخاري في كتاب المغازي فأنزل الله السورة " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " وقال في كتاب التفسير قال عمرو ونزلت فيه " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " وقال لا أدري الآية في الحديث أو قال عمرو قال البخاري قال علي يعني ابن المديني قيل لسفيان في هذا نزلت " لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " فقال سفيان هذا في حديث الناس حفظته من عمرو ما تركت منه حرفا ولا أدري أحدا حفظه غيري. وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير بن العوام وكلنا فارس وقال " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين " فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا الكتاب؟ فقالت ما معي كتاب فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا فقلنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردك فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلاضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما حملك على ما صنعت؟ " قال حاطب والله ما بي إلا أن أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله فقال " صدق لا تقولوا له إلا خيرا " فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلاضرب عنقه فقال " صدق لا تقولوا له إلا خيرا " فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلاضرب عنقه فقال " أليس من أهل بدر؟ - فقال - لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة - أو - قد غفرت لكم " فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم هذا لفظ البخاري في المغازي في غزوة بدر. وقد روي من وجه آخر عن علي قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني
(٣٦٩)