يقول تعالى مخبرا عن المؤمنين المتصدقين أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة بحسب أعمالهم كما قال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى " يسعى نورهم بين أيديهم " قال على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة ومنهم من نوره مثل الرجل القائم وأدناهم نورا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال قتادة ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " من المؤمنين من يضئ نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء فدون ذلك حتى أن من المؤمنين من يضئ نوره موضع قدميه ". وقال سفيان الثوري عن حصين عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية قال إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم وسيماكم وحلاكم ونجواكم ومجالسكم فإذا كان يوم القيامة قيل يا فلان هذا نورك يا فلان لا نور لك وقرأ " يسعى نورهم بين أيديهم ". وقال الضحاك ليس أحد إلا يعطى نورا يوم القيامة فإذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طفئ نور المنافقين فقالوا " ربنا أتمم لنا نورنا " وقال الحسن " يسعى نورهم بين أيديهم " يعني على الصراط. وقد قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب أخبرنا عمي عن يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن مسعود أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يحدث أنه سمع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود وأول من يؤذن له برفع رأسه فأنظر من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم " فقال له رجل يا نبي الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك؟ فقال " أعرفهم محجلون من أثر الوضوء ولا يكون لاحد من الأمم غيرهم وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم ".
وقوله " وبأيمانهم " قال الضحاك أي وبأيمانهم كتبهم كما قال " فمن أوتي كتابه بيمينه " وقوله " بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار " أي يقال لهم بشراكم اليوم جنات أي لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار " خالدين فيها " أي ماكثين فيها أبدا " ذلك هو الفوز العظيم " وقوله " يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم) وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال المزعجة والزلازل العظيمة والأمور الفظيعة وإنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله وعمل بما أمر الله به وترك ما عنه زجر. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا ابن المبارك حدثنا صفوان بن عمرو حدثني سليم بن عامر قال خرجنا على جنازة في باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهلي فلما صلى على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة: أيها الناس إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات.
وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو هذا - يشير إلى القبر - بيت الوحدة وبيت الظلمة وبيت الدود وبيت الضيق إلا ما وسع الله ثم تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة فإنكم في بعض تلك المواطن حتى يغشى الناس أمر من الله فتبيض وجوه وتسود وجوه ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فيغشى الناس ظلمة شديدة ثم يقسم النور فيعطي المؤمن نورا ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئا وهو المثل الذي ضربه الله تعالى في كتابه فقال " أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور " فلا يستضئ الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضئ الأعمى ببصر البصير ويقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا " انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا " وهي خدعة الله التي خدع بها المنافقين حيث قال " يخادعون الله وهو خادعهم " فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم " بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب " الآية يقول سليم بن عامر فما يزال المنافق مغترا حتى يقسم النور ويميز الله بين المنافق والمؤمن ثم قال حدثنا أبي حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا ابن حياة حدثنا أرطأة بن المنذر حدثنا يوسف بن الحجاج عن أبي أمامة