ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين " وقوله تعالى " وما ينزل من السماء " أي من الأمطار والثلوج والبرد والاقدار والاحكام مع الملائكة الكرام وقد تقدم في سورة البقرة أنه ما ينزل من قطرة من السماء إلا ومعها ملك يقررها في المكان الذي يأمر الله به حيث يشاء الله تعالى. وقوله تعالى " وما يعرج فيها " أي من الملائكة والأعمال كما جاء في الصحيح " يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل " وقوله تعالى " وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير " أي رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث كنتم وأينما كنتم من بر أو بحر في ليل أو نهار في البيوت أو في القفار الجميع في علمه على السواء وتحت بصره وسمعه فيسمع كلامكم ويرى مكانكم ويعلم سركم ونجواكم كما قال تعالى " ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور " وقال تعالى " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار " فلا إله غيره ولا رب سواه. وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل لما سأله عن الاحسان " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وروى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث نصر بن خزيمة بن جنادة بن محفوظ بن علقمة حدثني أبي عن نصر بن علقمة عن أخيه عن عبد الرحمن بن عامر قال: قال عمر جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: زودني حكمة أعيش بها فقال:
" استح الله كما تستحي رجلا من صالحي عشيرتك لا يفارقك " هذا حديث غريب. وروى أبو نعيم من حديث عبد الله بن علوية العامري مرفوعا " ثلاث من فعلهن فقد طعم الايمان إن عبد الله وحده. وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام ولم يعط الهرمة ولا الرذية ولا الشرطة اللئيمة ولا المريضة ولكن من أوسط أموالكم وزكى نفسه " وقال رجل يا رسول الله ما تزكية المرء نفسه فقال " يعلم أن الله معه حيث كان ". وقال نعيم بن حماد رحمه الله حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي عن محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم عن عبد الرحمن بن غنم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أفضل الايمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت " غريب.
وكان الإمام أحمد رحمه الله تعالى ينشد هذين البيتين:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل * خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة * ولا أن ما تخفي عليه يغيب وقوله تعالى (له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور) أي هو المالك للدنيا والآخرة كما قال تعالى " وإن لنا للآخرة والأولى " وهو المحمود على ذلك كما قال تعالى " وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة " وقال تعالى " الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير " فجميع ما في السماوات والأرض ملك له وأهلهما عبيد أرقاء أذلاء بين يديه كما قال تعالى " إن كل ما في السماوات والأرض إلا آت الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا " ولهذا قال " وإلى الله ترجع الأمور " أي إليه المرجع يوم القيامة فيحكم في خلقه بما يشاء وهو العادل الذي لا يجور ولا يظلم مثقال ذرة بل إن يكن عمل أحدهم حسنة واحدة يضاعفها إلى عشر أمثالها " ويؤت من لدنه أجرا عظيما " كما قال تعالى " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ". وقوله تعالى (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) أي هو المتصرف في الخلق يقلب الليل والنهار ويقدرهما بحكمته كما يشاء فتارة يطول الليل ويقصر النهار وتارة بالعكس وتارة يتركهما معتدلين وتارة يكون الفصل شتاء ثم ربيعا ثم قيظا ثم خريفا وكل ذلك بحكمته وتقديره لما يريده بخلقه " وهو عليم بذات الصدور " أي يعلم السرائر وإن دقت وإن خفيت.