تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج ٤ - الصفحة ٣٢٦
ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين " وقوله تعالى " وما ينزل من السماء " أي من الأمطار والثلوج والبرد والاقدار والاحكام مع الملائكة الكرام وقد تقدم في سورة البقرة أنه ما ينزل من قطرة من السماء إلا ومعها ملك يقررها في المكان الذي يأمر الله به حيث يشاء الله تعالى. وقوله تعالى " وما يعرج فيها " أي من الملائكة والأعمال كما جاء في الصحيح " يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل " وقوله تعالى " وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير " أي رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث كنتم وأينما كنتم من بر أو بحر في ليل أو نهار في البيوت أو في القفار الجميع في علمه على السواء وتحت بصره وسمعه فيسمع كلامكم ويرى مكانكم ويعلم سركم ونجواكم كما قال تعالى " ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور " وقال تعالى " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار " فلا إله غيره ولا رب سواه. وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل لما سأله عن الاحسان " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وروى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث نصر بن خزيمة بن جنادة بن محفوظ بن علقمة حدثني أبي عن نصر بن علقمة عن أخيه عن عبد الرحمن بن عامر قال: قال عمر جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: زودني حكمة أعيش بها فقال:
" استح الله كما تستحي رجلا من صالحي عشيرتك لا يفارقك " هذا حديث غريب. وروى أبو نعيم من حديث عبد الله بن علوية العامري مرفوعا " ثلاث من فعلهن فقد طعم الايمان إن عبد الله وحده. وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام ولم يعط الهرمة ولا الرذية ولا الشرطة اللئيمة ولا المريضة ولكن من أوسط أموالكم وزكى نفسه " وقال رجل يا رسول الله ما تزكية المرء نفسه فقال " يعلم أن الله معه حيث كان ". وقال نعيم بن حماد رحمه الله حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي عن محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم عن عبد الرحمن بن غنم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أفضل الايمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت " غريب.
وكان الإمام أحمد رحمه الله تعالى ينشد هذين البيتين:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل * خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة * ولا أن ما تخفي عليه يغيب وقوله تعالى (له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور) أي هو المالك للدنيا والآخرة كما قال تعالى " وإن لنا للآخرة والأولى " وهو المحمود على ذلك كما قال تعالى " وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة " وقال تعالى " الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير " فجميع ما في السماوات والأرض ملك له وأهلهما عبيد أرقاء أذلاء بين يديه كما قال تعالى " إن كل ما في السماوات والأرض إلا آت الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا " ولهذا قال " وإلى الله ترجع الأمور " أي إليه المرجع يوم القيامة فيحكم في خلقه بما يشاء وهو العادل الذي لا يجور ولا يظلم مثقال ذرة بل إن يكن عمل أحدهم حسنة واحدة يضاعفها إلى عشر أمثالها " ويؤت من لدنه أجرا عظيما " كما قال تعالى " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ". وقوله تعالى (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) أي هو المتصرف في الخلق يقلب الليل والنهار ويقدرهما بحكمته كما يشاء فتارة يطول الليل ويقصر النهار وتارة بالعكس وتارة يتركهما معتدلين وتارة يكون الفصل شتاء ثم ربيعا ثم قيظا ثم خريفا وكل ذلك بحكمته وتقديره لما يريده بخلقه " وهو عليم بذات الصدور " أي يعلم السرائر وإن دقت وإن خفيت.
(٣٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تفسير سورة الصافات 3
2 تحطيم الأصنام 14
3 الذبيح إسماعيل عليه السلام 16
4 تفسير سورة ص 29
5 تسبيح الجبال والطير مع سيدنا داود 32
6 تفسير سورة الزمر 48
7 ضرب الأمثال في القرآن 56
8 الحث على التوبة 63
9 تفسير قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره 67
10 النفخ في الصور 69
11 دخول الأشقياء النار 70
12 دخول المتقين الجنة 71
13 ذكر سعة أبواب الجنة 73
14 تفسير سورة المؤمن 75
15 استحباب الدعاء للمؤمنين السابقين 77
16 الامر باخلاص الدعاء لله وحده 79
17 إرسال سيدنا يوسف إلى أهل مصر 85
18 نصيحة مؤمن آل فرعون 87
19 تفسير سورة فصلت 97
20 شهادة الجوارح على الانسان 103
21 فضل الداعي إلى الله 108
22 تفسير سورة الشورى 114
23 تفسير سورة الزخرف 132
24 تفسير سورة الدخان 148
25 تفسير سورة الجاثية 159
26 تفسير سورة الأحقاف 165
27 وفد الجن الذين استمعوا القرآن 175
28 تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم 185
29 تفسير سورة الفتح 196
30 ذكر سبب البيعة 200
31 فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 208
32 قصة صلح الحديبية 209
33 تفسير سورة الحجرات 220
34 تفسير سورة ق 235
35 تفسير سورة الذاريات 247
36 تفسير سورة الطور 255
37 تفسير سورة النجم 264
38 تفسير سورة اقتربت الساعة 279
39 تفسير سورة الرحمن 289
40 تفسير سورة الواقعة 302
41 تفسير سورة الحديد 323
42 تفسير سورة المجادلة 340
43 تفسير سورة الحشر 353
44 أسماء الله الحسنى 366
45 تفسير سورة الممتحنة 368
46 مبايعة النساء 376
47 تفسير سورة الصف 381
48 تفسير سورة الجمعة 387
49 تفسير سورة المنافقين 393
50 تفسير سورة التغابن 398
51 تفسير سورة الطلاق 403
52 تفسير سورة التحريم 411
53 تفسير سورة الملك 421
54 تفسير سورة ن 427
55 تفسير سورة الحاقة 439
56 تفسير سورة المعارج 446
57 تفسير سورة نوح 452
58 تفسير سورة الجن 456
59 تفسير سورة المزمل 462
60 تفسير سورة المدثر 469
61 تفسير سورة القيامة 477
62 تفسير سورة الانسان 483
63 تفسير سورة المرسلات 488
64 تفسير سورة النبأ 492
65 تفسير سورة النازعات 497
66 تفسير سورة عبس 501
67 تفسير سورة التكوير 506
68 تفسير سورة الانفطار 513
69 تفسير سورة المطففين 515
70 تفسير سورة الانشقاق 520
71 تفسير سورة البروج 524
72 تفسير سورة الطارق 531
73 تفسير سورة الاعلى 532
74 تفسير سورة الغاشية 536
75 تفسير سورة الفجر 539
76 تفسير سورة البلد 546
77 تفسير سورة الشمس 550
78 تفسير سورة الليل 553
79 تفسير سورة الضحى 557
80 تفسير سورة الانشراح 560
81 تفسير سورة التين 562
82 تفسير سورة العلق 564
83 تفسير سورة القدر 566
84 تفسير سورة البينة 573
85 تفسير سورة الزلزلة 575
86 تفسير سورة العاديات 578
87 تفسير سورة القارعة 580
88 تفسير سورة التكاثر 581
89 تفسير سورة العصر 585
90 تفسير سورة الهمزة 586
91 تفسير سورة الفيل 586
92 تفسير سورة قريش 591
93 تفسير سورة الماعون 592
94 تفسير سورة الكوثر 595
95 تفسير سورة الكافرون 598
96 تفسير سورة النصر 600
97 تفسير سورة المسد 602
98 تفسير سورة الاخلاص 604
99 تفسير سورة الفلق 610
100 تفسير سورة الناس 615