إلا متاع الغرور (20) سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (21) يقول تعالى موهنا أمر الحياة الدنيا ومحقرا لها " إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " أي إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا كما قال تعالى " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب " ثم ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ونعمة زائلة فقال " كمثل غيث " وهو المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس كما قال تعالى " وهو الذي ينزل الغيث من بعدما قنطوا ".
وقوله تعالى " أعجب الكفار نباته " أي يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث وكما يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار فإنهم أحرص شئ عليها وأميل الناس إليها " ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما " أي يهيج ذلك الزرع فتراه مصفرا بعدما كان خضرا نضرا ثم يكون بعد ذلك كله حطاما أي يصير يبسا متحطما هكذا الحياة الدنيا تكون أولا شابة ثم تكتهل ثم تكون عجوزا شوهاء والانسان يكون كذلك في أول عمره وعنفوان شبابه غضا طريا لين الاعطاف بهي المنظر ثم إنه يشرع في الكهولة فتتغير طباعه ويفقد بعض قواه ثم يكبر فيصير شيخا كبيرا ضعيف القوى قليل الحركة يعجزه الشئ اليسير كما قال تعالى " الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير " ولما كان هذا المثل دالا على زوال الدنيا وانقضائها وفراغها لا محالة وأن الآخرة كائنة لا محالة حذر من أمرها ورغب فيما فيها من الخير فقال " وفي الآخرة عذاب شديد * ومغفرة من الله ورضوان * وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " أي وليس في الآخرة الآتية القريبة إلا إما هذا وإما هذا: إما عذاب شديد وإما مغفرة من الله ورضوان. وقوله تعالى " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " أي هي متاع فإن غار لمن ركن إليه فإنه يغتر بها وتعجبه حتى يعتقد أن لا دار سواها ولا معاد وراءها وهي حقيرة قليلة بالنسبة إلى الدار الآخرة. قال ابن جرير حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا المحاربي حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرأوا " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " " وهذا الحديث ثابت في الصحيح بدون هذه الزيادة والله أعلم. وقال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير ووكيع كلاهما عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " للجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك " انفرد بإخراجه البخاري في الرقاق من حديث الثوري عن الأعمش به ففي هذا الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من الانسان وإذا كان الامر كذلك فلهذا حثه الله تعالى على المبادرة إلى الخيرات من فعل الطاعات وترك المحرمات التي تكفر عنه الذنوب والزلات وتحصل له الثواب والدرجات فقال تعالى " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض " والمراد جنس السماء والأرض كما قال تعالى في الآية الأخرى " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " وقال ههنا " أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " أي هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنه عليهم وإحسانه إليهم كما قدمنا في الصحيح أن فقراء المهاجرين قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور بالدرجات العلى والنعيم المقيم قال " وما ذاك؟ " قالوا يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق قال " أفلا أدلكم على شئ إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ " تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثة وثلاثين " قال فرجعوا فقالوا