وقال ابن جرير: العرب تتبع هذه اللفظة في النفي فيقولون هذا الطعام ليس بطيب ولا كريم هذا اللحم ليس بسمين ولا كريم وهذه الدار ليست بنظيفة ولا كريمة وكذا رواه ابن جرير من طريقين آخرين عن قتادة به نحوه ثم ذكر تعالى استحقاقهم لذلك فقال تعالى " إنهم كانوا قبل ذلك مترفين " أي كانوا في الدار الدنيا منعمين مقبلين على لذات أنفسهم لا يلوون على ما جاءتهم به الرسل (وكانوا يصرون) أي يقيمون ولا ينوون توبة " على الحنث العظيم " وهو الكفر بالله وجعل الأوثان والأنداد أربابا من دون الله قال ابن عباس الحنث العظيم الشرك. وكذا قال مجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم. وقال الشعبي هو اليمين الغموس (وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون * أو آباؤنا الأولون) يعني أنهم يقولون ذلك مكذبين به مستبعدين لوقوعه قال الله تعالى " قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم " أي أخبرهم يا محمد أن الأولين والآخرين من بني آدم سيجمعون إلى عرصات القيامة لا يغادر منهم أحدا كما قال تعالى " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخره إلا لأجل معدود * يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد " ولهذا قال ههنا " لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم " أي هو موقت بوقت محدود لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص " ثم إنكم أيها الضالون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم * فمالئون منها البطون " وذلك أنهم يقبضون ويسجرون حتى يأكلوا من شجر الزقوم حتى يملأوا منها بطونهم " فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم " وهي الإبل العطاش واحدها أهيم والأنثى هيماء ويقال هائم وهائمة قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة الهيم الإبل العطاش الظماء وعن عكرمة أنه قال الهيم الإبل المراض تمص الماء مصا ولا تروى وقال السدي الهيم داء يأخذ الإبل فلا تروى أبدا حتى تموت فكذلك أهل جهنم لا يرون من الحميم أبدا. وعن خالد بن معدان أنه كان يكره أن يشرب شرب الهيم غبة واحدة من غير أن يتنفس ثلاثا ثم قال تعالى " هذا نزلهم يوم الدين " أي هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم كما قال تعالى في حق المؤمنين " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا " أي ضيافة وكرامة.
نحن خلقناكم فلولا تصدقون (57) أفرأيتم ما تمنون (58) أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون (59) نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين (60) على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون (61) ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون (62) يقول تعالى مقررا للمعاد ورادا على المكذبين به من أهل الزيغ والالحاد من الذين قالوا " أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون " وقولهم ذلك صدر منهم على وجه التكذيب والاستبعاد فقال تعالى " نحن خلقناكم " أي نحن ابتدأنا خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا أفليس الذي قدر على البداءة بقادر على الإعادة بطريق الأولى والاخرى؟ ولهذا قال " فلولا تصدقون " أي فهلا تصدقون بالبعث؟ ثم قال تعالى مستدلا عليهم بقوله " أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون " أي أنتم تقرونه في الأرحام وتخلقونه فيها أم الله الخالق لذلك؟ ثم قال تعالى " نحن قدرنا بينكم الموت " أي صرفناه بينكم وقال الضحاك ساوى فيه بين أهل السماء والأرض " وما نحن بمسبوقين " أي وما نحن بعاجزين " على أن نبدل أمثالكم " أي نغير خلقكم يوم القيامة " وننشئكم فيما لا تعلمون " أي من الصفات والأحوال. ثم قال تعالى " ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون " أي قد علمتم أن الله أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا فخلقكم وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة فهلا تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة وهي البداءة قادر على النشأة الأخرى وهي الإعادة