وعن عكرمة أنه قال لو جعل الله نور جميع أبصار الإنس والجن والدواب والطير في عيني عبد ثم كشف حجابا واحدا من سبعين حجابا دون الشمس لما استطاع أن ينظر إليها ونور الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي ونور الكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش ونور العرش جزء من سبعين جزءا من نور الستر فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عيانا؟ رواه ابن أبي حاتم. وقوله تعالى (والنجم والشجر يسجدان) قال ابن جرير اختلف المفسرون في معنى قوله والنجم بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق فروى عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال النجم ما انبسط على وجه الأرض يعني من النبات وكذا قال سعيد بن جبير والسدي وسفيان الثوري وقد اختاره ابن جرير رحمه الله تعالى وقال مجاهد النجم الذي في السماء وكذا قال الحسن وقتادة وهذا القول هو الاظهر والله أعلم لقوله تعالى " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس " الآية وقوله تعالى (والسماء رفعها ووضع الميزان) يعني العدل كما قال تعالى " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " وهكذا قال هاهنا (ألا تطغوا في الميزان) أي خلق السماوات والأرض بالحق والعدل لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل ولهذا قال تعالى (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحق والقسط كما قال تعالى " وزنوا بالقسطاس المستقيم " وقوله تعالى (والأرض وضعها للأنام) أي كما رفع السماء وضع الأرض ومهدها وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات لتستقر لما على وجهها من الأنام وهم الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم في سائر أقطارها وأرجائها قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: الأنام الخلق " فيها فاكهة " أي مختلفة الألوان والطعوم والروائح " والنخل ذات الأكمام " أفرده بالذكر لشرفه ونفعه رطبا ويابسا والاكمام قال ابن جريج عن ابن عباس هي أوعية الطلع وهكذا قال غير واحد من المفسرين وهو الذي يطلع فيه العنقود ثم ينشق عن العنقود فيكون بسرا ثم رطبا ثم ينضج ويتناهى نفعه واستواؤه وقال ابن أبي حاتم ذكر عن عمرو بن علي الصيرفي حدثنا أبو قتيبة حدثنا يونس بن الحارث الطائفي عن الشعبي قال كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب أخبرك أن رسلي أتتني من قبلك فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشئ من الخير تخرج مثل آذان الحمير ثم ثشقق مثل اللؤلؤ ثم تخضر فتكون مثل الزمرد الأخضر ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر ثم تينع فتنضج فتكون كأطيب فالوذج أكل ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزادا للمسافر فإن تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة فكتب إليه عمر بن الخطاب من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم أن رسلك قد صدقوك هذه الشجرة عندنا وهي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلها من دون الله فإن " مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين " وقيل الأكمام رفاتها وهو الليف الذي على عنق النخلة وهو قول الحسن وقتادة " والحب ذو العصف والريحان " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والحب ذو العصف) يعني التبن. وقال العوفي عن ابن عباس العصف ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه فهو يسمى العصف إذا يبس وكذا قال قتادة والضحاك وأبو مالك عصفه تبنه وقال ابن عباس ومجاهد وغير واحد والريحان يعني الورق وقال الحسن هو ريحانكم هذا وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس والريحان خضر الزرع ومعنى هذا والله أعلم أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما له في حال نباته عصف وهو ما على السنبلة وريحان وهو الورق الملتف على ساقها وقيل العصف الورق أول ما ينبت الزرع بقلا والريحان والورق يعني إذا أدجن وانعقد فيه الحب كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة.
(٢٩٠)