أفرأيت الذي تولى (33) وأعطى قليلا وأكدى (34) أعنده علم الغيب فهو يرى (35) أم لم ينبأ بما في صحف موسى (36) وإبراهيم الذي وفى (37) ألا تزر وازرة وزر أخرى (38) وأن ليس للانسان إلا ما سعى (39) وأن سعيه سوف يرى (40) ثم يجزاه الجزاء الأوفى (41) يقول تعالى ذاما لمن تولى عن طاعة الله " فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى " " وأعطى قليلا وأكدى " قال ابن عباس أطاع قليلا ثم قطعه وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وغير واحد قال عكرمة وسعيد كمثل القوم إذا كانوا يحفرون بئرا فيجدون في أثناء الحفر صخرة تمنعهم من تمام العمل فيقولون أكدينا ويتركون العمل وقوله تعالى (أعنده علم الغيب فهو يرى) أي أعند هذا الذي قد أمسك يده خشية الانفاق وقطع معروفه أعنده علم الغيب أنه سينفد ما في يده حتى قد أمسك عن معروفه فهو يرى ذلك عيانا؟ أي ليس الامر كذلك وإنما أمسك عن الصدقة والمعروف والبر والصلة بخلا وشحا وهلعا. ولهذا جاء في الحديث " أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا " وقد قال الله تعالى " وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين ". وقوله تعالى " أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى " قال سعد بن جبير والثوري أي بلغ جميع ما أمر به وقال ابن عباس " وفى " لله بالبلاغ وقال سعيد بن جبير " وفى " ما أمر به وقال قتادة " وفى " طاعة الله وأدى رسالته إلى خلقه وهذا القول هو اختيار ابن جرير وهو يشمل الذي قبله ويشهد له قوله تعالى " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما " فقام بجميع الأوامر وترك جميع النواهي وبلغ الرسالة على التمام والكمال فاستحق بهذا أن يكون للناس إماما يقتدى به في جميع أحواله وأقواله وأفعاله قال الله تعالى " ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عوف الحمصي حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني حدثنا حماد بن سلمة حدثنا جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " وإبراهيم الذي وفى " - قال - أتدري ما وفى؟ " قلت الله ورسوله أعلم قال " وفى عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار " ورواه ابن جرير من حديث جعفر بن الزبير وهو ضعيف. وقال الترمذي في جامعه حدثنا أبو جعفر السمناني حدثنا أبو مسهر حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء وأبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال " ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " قال ابن أبي حاتم رحمه الله وحدثنا أبي حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا أسد بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا زبان بن فايد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ألا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله الذي وفى؟ إنه كان يقول كل ما أصبح وأمسى " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون " حتى ختم الآية. ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن رشدين بن سعيد عن زبان به ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال (أن لا تزر وازرة وزر أخرى) أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شئ من الذنوب فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد كما قال " وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى " " وأن ليس للانسان إلا ما سعى " أي كما لا يحمل عليه وزر غيره كذلك لا يحصل من الاجر إلا ما كسب هو لنفسه ومن وهذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولو كان خيرا لسبقونا إليه وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما.
(٢٧٦)