وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية من بعده أو علم ينتفع به " فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله كما جاء في الحديث " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه وقد قال تعالى " إنا نحن نحيى الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم " الآية والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضا من سعيه وعمله وثبت في الصحيح " من دعا إلى هدى كان له من الاجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا " وقوله تعالى (وأن سعيه سوف يرى) أي يوم القيامة كقوله تعالى " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " أي فيخبركم به ويجزيكم عليه أتم الجزاء إن خيرا فخير وإن شرا فشر وهكذا قال ههنا " ثم يجزاه الجزاء الأوفى " أي الأوفر.
وأن إلى ربك المنتهى (42) وأنه هو أضحك وأبكى (43) وأنه هو أمات وأحيا (44) وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى (45) من نطفة إذا تمنى (46) وأن عليه النشأة الأخرى (47) وأنه هو أغنى وأقنى (48) وأنه هو رب الشعرى (49) وأنه أهلك عادا الأولى (50) وثمودا فما أبقى (51) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى (52) والمؤتفكة أهوى (53) فغشاها ما غشى (54) فبأي ألآء ربك تتمارى (55) يقول تعالى (وأن إلى ربك المنتهى) أي المعاد يوم القيامة قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سويد بن سعيد حدثنا مسلم بن خالد عن عبد الرحمن بن سابط عن عمرو بن ميمون الأودي قال قام فينا معاذ بن جبل فقال يا بني أود إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم تعلمون أن المعاد إلى الله إلى الجنة أو إلى النار. وذكر البغوي من رواية أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " وأن إلى ربك المنتهى " " قال لا فكرة في الرب " قال البغوي وهذا مثل ما روي عن أبي هريرة مرفوعا " تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنه لا تحيط به الفكرة " وكذا أورده وليس بمحفوظ بهذا اللفظ وإنما الذي في الصحيح " يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته ". والحديث الآخر الذي في السنن " تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذات الله فإن الله تعالى خلق ملكا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة ثلاثمائة سنة " أو كما قال. وقوله تعالى (وأنه هو أضحك وأبكى) أي خلق في عباده الضحك والبكاء وسببهما وهما مختلفان " وأنه هو أمات وأحيا " كقوله " الذي خلق الموت والحياة " " وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى * من نطفة إذا تمنى " كقوله " أيحسب الانسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى " تمنى " كقوله تعالى (وأن عليه النشأة الأخرى) أي كما خلق البداءة هو قادر على الإعادة وهي النشأة الآخرة يوم القيامة (وأنه هو أغنى وأقنى) أي ملك عباده المال وجعله لهم قنية مقيما عندهم لا يحتاجون إلى بيعه فهذا تمام النعمة عليهم وعلى هذا يدور كلام كثير من المفسرين منهم أبو صالح وابن جرير وغيرهما وعن مجاهد " أغنى " مول " وأقنى " أخدم وكذا قال قتادة وقال ابن عباس ومجاهد أيضا " أغنى " أعطى " وأقنى " رضى وقيل معناه أغنى نفسه وأفقر الخلائق إليه قاله الحضرمي بن لاحق وقيل أغنى من شاء من خلقه وأقنى أي أفقر من شاء منهم قال ابن زيد حكاهما ابن جرير وهما بعيدان من حيث اللفظ