يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى (32) يخبر تعالى أنه مالك السماوات والأرض وأنه الغني عما سواه الحاكم في خلقه بالعدل وخلق الخلق بالحق " ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " أي يجازي كلا بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر. ثم فسر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش أي لا يتعاطون المحرمات الكبائر وإن وقع منهم بعض الصغائر فإنه يغفر لهم ويستر عليهم كما قال في الآية الأخرى " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ". وقال ههنا " الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم " وهذا استثناء منقطع لان اللمم من صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال. قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمني وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق به وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الاعلى أخبرنا ابن ثور حدثنا معمر عن الأعمش عن أبي الضحى أن ابن مسعود قال: زنا العينين النظر وزنا الشفتين التقبيل وزنا اليدين البطش وزنا الرجلين المشي ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه فإن تقدم بفرجه كان زانيا وإلا فهو اللمم وكذا قال مسروق والشعبي. وقال عبد الرحمن بن نافع الذي يقال له ابن لبابة الطائفي قال سألت أبا هريرة عن قول الله " إلا اللمم " قال القبلة والغمزة والنظرة والمباشرة فإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل وهو الزنا وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " إلا اللمم " إلا ما سلف وكذا قال زيد بن أسلم. وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور عن مجاهد أنه قال في هذه الآية " إلا اللمم " قال الذي يلم بالذنب ثم يدعه قال الشاعر:
إن تغفر اللهم تغفر جما * أي عبد لك ما ألما وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد في قول الله تعالى " إلا اللمم " قال الرجل يلم بالذب ثم ينزع عنه قال وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون إن تغفر اللهم تغفر جما * وأي عبد لك ما ألما؟
وقد رواه ابن جرير وغيره مرفوعا قال ابن جرير حدثني سليمان بن عبد الجبار حدثنا أبو عاصم حدثنا زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس " الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم " قال هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن تغفر اللهم تغفر جما * وأي عبد لك ما ألما " وهكذا رواه الترمذي عن أحمد بن عثمان البصري عن أبي عاصم النبيل ثم قال هذا حديث صحيح حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق وكذا قال البزار لا نعلمه يروى متصلا إلا من هذا الوجه وساقه ابن أبي حاتم والبغوي من حديث أبي عاصم النبيل وإنما ذكره البغوي في تفسير سورة تنزيل وفي صحته مرفوعا نظر. ثم قال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد بن زريع حدثنا يونس عن الحسن عن أبي هريرة رضي