علوا كبيرا حكاه ابن جرير وقوله جلت عظمه " سبحان الله عما يصفون " أي تعالى وتقدس وتنزه عن أن يكون له ولد وعما يصفه به الظالمون الملحدون علوا كبيرا. " إلا عباد الله المخلصين " استثناء منقطع وهو من مثبت إلا أن يكون الضمير قوله تعالى " عما يصفون " عائد إلى الناس جميعهم ثم استثنى منهم المخلصين وهم المتبعون للحق المنزل على كل نبي مرسل وجعل ابن جرير هذا الاستثناء من قوله تعالى " إنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين " وفي هذا الذي قاله نظر والله سبحانه وتعالى أعلم فأنكم وما تعبدون (161) ما أنتم عليه بفاتنين (162) إلا من هو صال الجحيم (163) وما منا إلا له مقام معلوم (164) وإنا لنحن الصافون (165) وإنا لنحن المسبحون (166) وإن كانوا ليقولون (167) لو أن عندنا ذكرا من الأولين (168) لكنا عباد الله المخلصين (169) فكفروا به فسوف يعلمون (170) يقول تعالى مخاطبا للمشركين " فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم " أي إنما ينقاد لمقالتكم وما أنتم عليه من الضلالة والعبادة الباطلة من هو أضل منكم ممن ذرأ للنار " لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " فهذا الضرب من الناس هو الذي ينقاد لدين الشرك والكفر والضلالة كما قال تبارك وتعالى " إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك " أي إنما يضل به من هو مأفوك ومبطل ثم قال تبارك وتعالى منزها للملائكة مما نسبوا إليهم من الكفر بهم والكذب عليهم أنهم بنات الله " وما منا إلا له مقام معلوم " أي له موضع مخصوص في السماوات ومقامات العبادات لا يتجاوزه ولا يتعداه وقال ابن عساكر في ترجمته لمحمد بن خالد بسنده إلى عبد الرحمن بن العلاء بن سعد عن أبيه وكان ممن بايع يوم الفتح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لجلسائه " أطت السماء وحق لها أن تئط ليس فيها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد " ثم قرأ صلى الله عليه وسلم " وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون " وقال الضحاك في تفسيره " وما منا إلا له مقام معلوم " قال كان مسروق يروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من السماء الدنيا موضع إلا عليه ملك ساجد أو قائم " فذلك قوله تعالى " وما منا إلا له مقام معلوم " وقال الأعمش عن أبي إسحاق عن مسروق عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن في السماوات لسماء ما فيها موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه ثم قرأ عبد الله رضي الله عنه " وما منا إلا له مقام معلوم " وكذا قال سعيد بن جبير وقال قتادة كانوا يصلون الرجال والنساء جميعا حتى نزلت " وما منا إلا له مقام معلوم " فتقدم الرجال وتأخر النساء " وإنا لنحن الصافون " أي نقف صفوفا في الطاعة كما تقدم عند قوله تبارك وتعالى " والصافات صفا " قال ابن جريج عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث قال كانوا لا يصفون في الصلاة حتى نزلت " وإنا لنحن الصافون " فصفوا وقال أبو نضرة كان عمر رضي الله عنه إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه ثم قال أقيموا صفوفكم استووا قياما يريد الله تعالى بكم هدي الملائكة ثم يقول " وإنا لنحن الصافون " تأخر يا فلان تقدم يا فلان ثم يتقدم فيكبر رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض مسجدا وتربتها طهورا " الحديث " وإنا لنحن المسبحون " أي نصطف فنسبح الرب ونمجده ونقدسه وننزهه عن النقائص فنحن عبيد له فقراء إليه خاضعون لديه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد " وما منا إلا له مقام معلوم "