وإن لوطا لمن المرسلين (133) إذ نجيناه وأهله أجمعين (134) إلا عجوزا في الغابرين (135) ثم دمرنا الآخرين (136) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين (137) وبالليل أفلا تعقلون (138) يخبر تعالى عن عبده ورسوله لوط رضي الله عنهما أنه بعثه إلى قومه فكذبوه فنجاه الله تعالى من بين أظهرهم هو وأهله إلا امرأته فإنها هلكت مع من هلك من قومها فإن الله تعالى أهلكهم بأنواع من العقوبات وجعل محلتهم من الأرض بحيرة منتنة قبيحة المنظر والطعم والريح وجعلها بسبيل مقيم يمر بها المسافرون ليلا ونهارا ولهذا قال تعالى " وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون " أي أفلا تعتبرون بهم كيف دمر الله عليهم وتعلمون أن للكافرين أمثالها؟ وإن يونس لمن المرسلين (139) إذ أبق إلى الفلك المشحون (140) فساهم فكان من المدحضين (141) فالتقمه الحوت وهو مليم (142) فلولا أنه كان من المسبحين (143) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون (144) * فنبذناه بالعراء وهو سقيم (145) وأنبتنا عليه شجرة من يقطين (146) وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون (147) فأمنوا فمتعناهم إلى حين (148) قد تقدمت قصة يونس عليه الصلاة والسلام في سورة الأنبياء وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " ونسبه إلى أمه وفي رواية إلى أبيه. قوله تعالى " إذا أبق إلى الفلك المشحون " قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الموقر أي المملوء بالأمتعة " فساهم " أي قارع " فكان من المدحضين " أي المغلوبين وذلك أن السفينة تلعبت بها الأمواج من كل جانب وأشرفوا على الغرق فساهموا على من تقع عليه القرعة يلقى في البحر لتخف بهم السفينة فوقعت القرعة على نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات وهم يضنون به أن يلقى من بينهم فتجرد من ثيابه ليلقي نفسه وهم يأبون عليه ذلك وأمر الله تعالى حوتا من البحر الأخضر أن يشق البحار وأن يلتقم يونس عليه السلام فلا يهشم له لحما ولا يكسر له عظما فجاء ذلك الحوت وألقى يونس عليه السلام نفسه فالتقمه الحوت وذهب به فطاف به البحار كلها. ولما استقر يونس في بطن الحوت حسب أنه قد مات ثم حرك رأسه ورجليه وأطرافه فإذا هو حي فقام فصلى في بطن الحوت وكان من جملة دعائه يا رب اتخذت لك مسجدا في موضع لم يبلغه أحد من الناس واختلفوا في مقدار ما لبث في بطن الحوت فقيل ثلاثة أيام قاله قتادة وقيل سبعة قاله جعفر الصادق رضي الله عنه وقيل أربعين يوما قاله أبو مالك وقال مجاهد عن الشعبي: التقمه ضحى ولفظه عشية والله تعالى أعلم بمقدار ذلك وفي شعر أمية بن أبي الصلت:
وأنت بفضل منك نجيت يونسا وقد بات في أضعاف حوت لياليا وقوله تعالى " فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " قيل لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء قاله الضحاك بن قيس وأبو العالية ووهب بن منبه وقتادة وغير واحد واختاره ابن جرير وقد ورد في الحديث الذي سنورده إن شاء الله تعالى ما يدل على ذلك إن صح الخبر وفي حديث ابن عباس " تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ". وقال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير والضحاك وعطاء بن السائب والسدي والحسن وقتادة " فلولا أنه كان من المسبحين " يعني المصلين وصرح بعضهم بأنه كان من المصلين قبل ذلك وقال بعضهم كان من المسبحين في جوف أبويه وقيل المراد " فلولا أنه كان من المسبحين " هو قوله