والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها " أي ماكثين فيها أبدا " ويكفر عنهم سيئاتهم " أي خطاياهم وذنوبهم فلا يعاقبهم عليها بل يعفو ويصفح ويغفر ويستر ويرحم ويشكر " وكان ذلك عند الله فوزا عظيما " كقوله جل وعلا " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز " الآية. وقوله تعالى (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء) أي يتهمون الله تعالى في حكمه ويظنون بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية ولهذا قال تعالى " عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم " أي أبعدهم من رحمته " وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا " ثم قال عز وجل مؤكدا لقدرته على الانتقام من الأعداء أعداء الاسلام من الكفرة والمنافقين " ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما ".
إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (8) لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا (9) إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما (10) يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (إنا أرسلناك شاهدا) أي على الخلق (ومبشرا) أي المؤمنين (ونذيرا) أي للكافرين وقد تقدم تفسيرها في سورة الأحزاب " لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه " قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد تعظموه " وتوقروه " من التوقير وهو الاحترام والاجلال والاعظام " وتسبحوه " أي تسبحون الله " بكرة وأصيلا " أي أول النهار وآخره، ثم قال عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم تشريفا له وتعظيما وتكريما " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله " كقوله جل وعلا " من يطع الرسول فقد أطاع الله " " يد الله فوق أيديهم " أي هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا الفضل بن يحيى الأنباري حدثنا علي بن بكار عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سل سيفه في سبيل الله فقد بايع الله " وحدثنا أبي حدثنا يحيى بن المغيرة أخبرنا جرير عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر " والله ليبعثنه الله عز وجل يوم القيامة له عينان ينظر بهما ولسان ينطق به ويشهد على من استلمه بالحق فمن استلمه فقد بايع الله تعالى " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم " ولهذا قال تعالى ههنا " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه " أي إنما يعود وبال ذلك على الناكث والله غني عنه " ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما " أي ثوابا جزيلا وهذه البيعة هي بيعة الرضوان وكانت تحت شجرة سمرة بالحديبية وكان الصحابة رضي الله عنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قيل ألفا وثلثمائة وقيل وأربعمائة وقيل وخمسمائة والأوسط أصح.
(ذكر الأحاديث الواردة في ذلك) قال البخاري حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن عمرو عن جابر رضي الله عنه قال كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة.